نائب رئيس «القومى لحقوق الإنسان» لـ«الوطن»: تقرير المجلس لبعثة تقصى الحقائق هو الأكثر مصداقية وتوثيقاً حتى الآن

نائب رئيس «القومى لحقوق الإنسان» لـ«الوطن»: تقرير المجلس لبعثة تقصى الحقائق هو الأكثر مصداقية وتوثيقاً حتى الآن
التقرير توصل إلى سقوط 632 قتيلاً بأسمائهم وأسباب الوفاة
يمثل المجلس القومى لحقوق الإنسان قبلة العديد من المواطنين لتقديم شكاوهم وبحث سبل حلها سواء كانت مع أفراد أو هيئات الدولة، بالإضافة إلى كونه المجلس الوحيد فى مصر وأكبر المراكز الحقوقية، لذلك فعند قيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالاعتصام فى ميدانى «رابعة العدوية والنهضة»، عقب ثورة 30 يونيو 2013، وأثارت عملية فضهما الكثير من الجدل على المستوى المحلى والدولى لما صاحبها من عنف تام أودى بحياة المئات، وضربت على أثرها موجة من التخريب وحرق الأقسام أنحاء البلاد، وبينما تبودلت الاتهامات حول حقيقة الأحداث التى وقعت أثناء الفض، سارع المجلس بتكوين فريق بحثى للعمل على رصد الانتهاكات وتقصى الحقائق بها، لكشف حقيقة ما جرى مستنداً إلى مرجعيته القانونية الدولية والمحلية.
ويعتبر التقرير الذى أصدره المجلس، والذى استغرق ما يقرب من شهرين لإعداده، من أهم التقارير وأكثرها توثيقاً فى التحقيق فى أحداث «رابعة والنهضة»، التى ما زالت مبهمة حتى الآن، كما جاء على لسان الدكتور عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمشرف على إعداد الوثيقة، أثناء حواره مع «الوطن». وإلى نص الحوار:
* ما الذى دفع المجلس للقيام بتشكيل بعثة تقصى حقائق؟
- المجلس القومى لحقوق الإنسان قانون إنشائه ينص على أن يرصد حالات الانتهاك فى مصر، والمجلس اهتم بالاعتصام وخصص عدداً من الباحثين لمتابعة تطور الاعتصام، وكانوا بصفة مستمرة يتفقدون أحوال المنطقة المحيطة بالاعتصام، ويتحدثون مع عدد من المعتصمين، ومدى تأثير الاعتصام على الظروف المعيشية للسكان.[FirstQuote]
حين تم فض الاعتصام، وورود أنباء عن وجود أعداد كبيرة من القتلى والمصابين، استدعى قيام المجلس بتشكيل لجنة لتقصى حقائق برئاسة ناصر أمين، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، ورئيس مكتب الشكاوى.
* ما أهم النتائج التى توصلتم إليها فى تقرير تقصى الحقائق عن أحداث فض اعتصامى «رابعة النهضة»؟
- حينما بدأت اللجنة تتقصى حقائق ما جرى فى عملية فض الاعتصام، تبين لها مجموعة من الحقائق؛ أولها أن وزارة الداخلية حصلت على قرار من النائب العام بفض الاعتصام بناءً على شكاوى سكان المنطقة من تعرضهم للضرر وإعاقة عدد من المعتصمين لهم حين دخولهم وخروجهم من منازلهم، وإزعاجهم باستخدامهم لدورات المياه فى المنازل، ومداخل البيوت.
* وهل اتبعت وزارة الداخلية المعايير الدولية لفض الاعتصامات؟
- بالفعل اتبعت وزارة الداخلية المعايير الدولية لفض الاعتصام، حيث حصلت على قرار بذلك من الهيئة القضائية «النيابة العامة»، وإخطار منظمات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام قبل الفض بيوم لمتابعة الفض.
وفى اليوم التالى صباحاً أحاطت القوات بالميدان ووجهت إنذاراً للمعتصمين بسيارات مزودة بمكبرات صوت تصل لعمق الميدان، وأعلمتهم بأنها حصلت على إذن من النيابة بفض الاعتصام، طالبة منهم الانصراف، كما حددت ممراً آمناً للانصراف حتى لا يلحقهم أى أذى أو تتخذ ضدهم أى إجراءات، وهو شارع النصر.[SecondQuote]
* فلماذا نتج هذا العدد الكبير من القتلى أثناء أحداث الفض؟
- بمتابعة المجلس وتقصيه الحقيقة تبين أنه أثناء توجيه الإنذار بمكبرات الصوت، أصيب الضابط الذى كان يوجه الإنذار بطلق نارى من قبل المعتصمين فسقط قتيلاً هو و4 من الجنود المحيطين به، فرد الجنود بالمزيد من طلقات النار على مصدر إطلاق النار، فسقط عدد من القتلى من الجانبين.
* هل عدد القتلى أكبر من جانب الإخوان أم الداخلية؟
- لا نعلم إذا كان عدد القتلى من المعتصمين أكبر أم لا، فالتحقيقات ما زالت جارية، ولم تنته بعد.
* وما عدد القتلى الذى توصل إليه المجلس فى تقريره؟
- انتهى المجلس إلى سقوط 632 قتيلاً، ولقد وثق التقرير أسماءهم، والأسباب التشريحية لوفاة كل منهم، التى تنوعت بين طلق نارى وخرطوش وآخرين تعذر معرفة سبب وفاتهم بسبب الحروق، بالإضافة إلى مصادرنا لهذا التوثيق.
* وهل توصلتم إلى وجود أسلحة مع المتظاهرين داخل الاعتصام؟
- توصل المجلس إلى أن الاعتصام كان مسلحاً، بمعنى أنه كان يحوى أسلحة وذخائر بمعرفة قيادة الاعتصام، ولم تحط باقى المعتصمين علماً بذلك، حيث كانت ترتب لاستخدامها فى الوقت المناسب، فضلاً عن خلقهم جواً من التوتر فى المنطقة وبؤرة لتصديره لباقى أحياء القاهرة، من خلال المسيرات التى كان ينظمها إلى أماكن عديدة منها الحرس الجمهورى والمنصة، والتى كانت تشتبك مع الأمن ثم تعود مرة أخرى.
* وما الأخطاء التى وقعت فيها قوات الشرطة؟
- أخذ على قوات الشرطة عدة مآخذ؛ أولها: أنها لم تتح الوقت الكافى للمعتصمين للانصراف، وهو ما أرجعته الوزارة لوجود إطلاق نار متبادل من داخل الاعتصام، ثانياً: أنها لم تحافظ على التناسب فى كثافة إطلاق النار، كما حرصت على التناسب فى أنواع الأسلحة المستخدمة فى فض الاعتصام مع المعتصمين، ثالثاً: أنها لم تتمكن من تأمين الممر الآمن المخصص لخروج المعتصمين إلا بعد الساعة الثالثة ظهراً، وما هو ما عللته الداخلية بخروج مظاهرات مؤيدة للإخوان من خارج الاعتصام طوقت القوات، وهو ما استدعى التعامل معها وتصفيتها أولاً.[ThirdQuote]
* وما اقتراحات المجلس لوزارة الداخلية لمعالجة هذه الأخطاء؟
- تضمن التقرير توصية مهمة للداخلية، تُعنى بالبدء الفورى ودون إبطاء فى إخضاع العناصر الشرطية لعمليات التدريب والتأهيل المستمرة، خاصة فى مجالات البحث الجنائى، ومكافحة الشغب وفض التجمعات، وتدريبها على المعايير الدولية المهنية فى استخدام القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، حتى نصل إلى أقل قدر من الخسائر.
* ما أهم العقبات التى واجهتكم أثناء عملكم فى تقرير تقصى الحقائق؟
- من أكبر المشاكل التى واجهتنا هى رفض المعتصمين الإدلاء بأقوالهم عن الاعتصام، وكان محمد عبدالقدوس، عضو المجلس، قد وعد بترتيب موعد مع عدد من المعتصمين إلا أنهم تراجعوا فى آخر لحظة، للتخوف من أن تتخذ ضدهم أى إجراءات سلبية نتيجة شهادتهم، رغم وعود المجلس بعدم إلحاق ضرر بأى منهم، بالإضافة إلى رفض النيابة العامة إمدادنا بالتحقيقات الجارية لاعتبارها نفسها هيئة مستقلة لا يجوز لها تقديم أى معلومات قبل عرضها على المحكمة، كما قدمت لنا وزارة الداخلية ملفاً ليس به كل المعلومات الكافية.
* ما المصادر التى اعتمد عليها المجلس فى إعداده للتقرير؟
- اعتمد المجلس على عدة مصادر؛ أولها: متابعة الباحثين فى فترة أيام الاعتصام، وروايات السكان فى المناطق المحيطة، وملف من وزارة الداخلية، كما تواصلت مع بعض الصحف، أهمها «الشروق والوطن والمصرى اليوم والحرية والعدالة»، وما أذيع على القنوات الفضائية، بالإضافة إلى الاستماع إلى شهادات محرريهم الذين شاركوا فى متابعة الأحداث، وعقد لقاءات مع مؤسسى موقع «ويكى ثورة»، الذى يعد من أهم المواقع التى وثقت للثورة.
ومخاطبة كل من وزارة الصحة ووزارة الداخلية ومصلحة الطب الشرعى ومكتب النائب العام وتحالف «دعم الشرعية»، وحزب الحرية والعدالة، وحزبى «النور والبناء والتنمية» ليمدوا اللجنة بالأدلة والوسائط والشهادات التى بحوزتهم والمتعلقة بوقائع فض الاعتصام، إلا أنهم رفضوا التعاون مع اللجنة كما رفضوا تسلم الخطابات الموجهة إليهم بشأن الحصول على معلومات متعلقة بفض الاعتصام.
* هل ترى أن الانتقادات الدولية لفض الاعتصام غير دقيقة؟
- بالطبع، فأولاً هذه التقارير الدولية لم تفصح عن مصادرها فى القاهرة، كما أن التقرير يحتوى على وثائق وملحقات عن كل ما يتعلق بعملية الفض حتى الآن، حتى إن رئيس الجمهورية السابق عدلى منصور قد أنشأ اللجنة القومية لتقصى الحقائق ومنحها كل الصلاحيات لكتابة التقرير لكنها لم تصدره حتى الآن، وأعتقد أنها ستصدر تقريراً موسعاً أكثر، ولكن تقرير المجلس هو الأفضل حتى هذا الوقت.
كما أن أى انتقادات أخرى للتقرير تعتبر «كلاماً مرسلاً» لأنها غير موثقة، وأكرر أنه الوحيد الموثق بالوقائع والأسماء حتى الآن، فلم تصدر وثيقة أخرى منافية لما ورد به.
* هل كان يمكن تجنب فض الاعتصام بالقوة؟
- لا، لأن الرأى العام المصرى المتصاعد كان يطالب بفض الاعتصام، حيث كان بؤرة توتر واحتقان، وكان يبث صورة غير حقيقية عما يحدث فى مصر من خلال قناة الجزيرة.
* لماذا لم تتخذ الدولة إجراءات لتعويض أسرهم مثلما حدث فى أحداث القصر العينى ومحمد محمود؟
- لقد أوصى التقرير بضرورة تعويض الحكومة لأسر المصابين والمتوفين الذين سقطوا نتيجة الاشتباكات المسلحة، والذين لم يثبت تورطهم فى أعمال عنف أو الدعوة لها، وذلك فى كل الأحداث التى وقعت فى الفترة محل التقرير، والإسراع فى إصدار القانون المنظم لحالات استحقاق التعويض الذى تلتزم الدولة به.
* هل ترتب على تقريركم الذى قدم للنيابة والرئاسة أى نتائج حتى الآن؟
- هذا التقرير أرسله المجلس إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير العدل والنائب العام، وكانت توصيتنا الأولى به هو انتداب قاضٍ لإجراء تحقيق مستقل لكل الوقائع التى شملها التقرير، ومعاقبة كل من ارتكب جريمة طبقاً للوقائع التى سيثبتها التحقيق، ولكن وزير العدل لم يصدر القرار بذلك، وبناءً عليه أصدر الرئيس قراراً بتشكيل اللجنة القومية، برئاسة الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، التى ما زلنا فى انتظار نتائجها.
* هل ترى أن التقرير كان يحتاج إلى المزيد من الدقة أثناء إعداده؟
- يعتبر هذا التقرير هو الوحيد الموثق بالأرقام والأسماء، ولم تصدر أى وثيقة أخرى موثقة بنفس دقته، ولكن لا يوجد عمل إنسانى كامل.
* بعد مرور عام على إصداره، هل يمكن تعديل التقرير؟ وما الإضافات التى يمكن إدخالها عليه؟
- بالطبع، يمكن تعديله بإصدار ملحق آخر معه، والذى نود إضافته إليه هى شهادات المعتصمين داخل ميدانى «رابعة والنهضة» عن الفض.
* هل تعتقد أن يثير أحد قضية فض اعتصامى «رابعة العدوية والنهضة» أثناء المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر أمام الأمم المتحدة، نهاية العام الحالى؟ وكيف ستتعاملون معها؟
- يقدم للمراجعة الدورية الشاملة لحالة حقوق الإنسان فى مصر ثلاثة تقارير؛ من المجلس القومى لحقوق الإنسان، ومن الحكومة، ومن منظمات المجتمع المدنى، فإذا قام أحد أنصار جماعة الإخوان من الجمعيات الأهلية بعرض تقرير ينافى ذلك فهو مطالب بتقديم ما يوثق هذا التقرير.
* هل تتوقع أن يضم تقرير اللجنة القومية لتقصى الحقائق أحداثاً أخرى ومختلفة عن التى ضمها تقرير المجلس؟
- لا أعتقد ذلك فى رأيى الشخصى، حيث إننا عملنا بأمانة شديدة فى هذا التقرير، كما أن المجلس يضم عدداً من الشخصيات لها مكانتها فى مصر، ولا يمكن أن تقر التقرير إلا بعدما اطمأنت لما ورد به من معلومات صحيحة، فى ضوء ما وصلنا إليه، وما زالت أناشد بأن يمدنا المعتصمون من أنصار جماعة الإخوان بشهاداتهم حول أعمال الفض لتوثيقها ضمن التقرير.
فأحداث فض اعتصامى «رابعة العدوية والنهضة» ستظل فى تاريخ مصر كحريق القاهرة، الذى ما زال حتى الآن موضع نقاش، وجانب من الحقائق فيه مبهمة وغير معروفة.