الحوار فريضة الوقت (٢).. القاهرة الفاطمية نموذجاً

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

على كثرة أنشطة رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى، فإنه لم يبدُ موفَّقاً قدر توفيقه فى لقائه أهالى القاهرة الفاطمية مساء السبت الماضى، لقد كان اللقاء بغرض إخطار أهل المنطقة بنيّة الحكومة لتطويرها، وطمأنتهم على أوضاعهم فى ظل هذا التغيير، والاستماع إلى آرائهم ومخاوفهم، وشرح الفكرة الأساسية للتغيير والتطوير.. لقد بدا هذا استجابة فورية من رئيس الوزراء للأصوات التى طالبت بالتمهيد لمشروعات التطوير والإعلان عنها قبل البدء فيها، وكان من هذه الأصوات كاتب هذه السطور.. وتعالوا نعدد الفوائد من مثل هذا الحوار.. وأولها أنه فور الإعلان عنه كان بمثابة تغطية إعلامية ناعمة ومتدرّجة لهذا المشروع بدأت مع تغطية وسائل الإعلام للحوار، وستستمر طالما استمر الحوار.. وثانيها أنه لا مانع إطلاقاً لو نقلت وسائل الإعلام وجهات نظر مختلفة حول التطوير وفلسفته (لم نستمع لأصوات أهالى المنطقة فى لقاء رئيس الوزراء)، ذلك أن المثل يقول «وبضدها تتميز الأشياء»، وهكذا فإن الاستماع لوجهة نظر معارضة أو خائفة أو متسائلة لا يعنى نهاية العالم، ولكنه يعنى أن وجهة النظر هذه سيتم الرد عليها بالمعلومة والحجة فيطمئن صاحبها أولاً، وتبطل حجة استخدامها من وسائل الإعلام التركية الإخوانية من جهة أخرى، وتجد طريقها لعقل المواطن وتستقر فيه من جهة ثالثة.

تقول القاعدة الفقهية إن (لو) تفتح عمل الشيطان، ولكن (لو) فى حالتنا هنا هى علامة لفتح الباب لطريقة جديدة فى تنفيذ المشروعات وإدارة الحوار مع الناس، وبالتالى فإننى أقول إنه (لو) كان حوار مماثل قد جرى فى مشروعات مثل توسعة محور صلاح سالم وغيره من المشروعات لكان المردود السياسى والجماهيرى لهذه المشروعات أعظم بكثير من الذى تحقق، ولأمكن تلافى نوعين من ردود الفعل.. النوع الأول مُغرض لا ريب فيه، وهو ذلك الذى يصدر من دوائر الإخوان والقنوات التركية ومن دار فى دوائرها، والنوع الثانى من ردود الفعل هو ذلك الذى لا يمكن التشكيك فى نوايا أصحابه، ولكنه يصدر بالرفض والانزعاج نتيجة المفاجأة فى التنفيذ، بل ومداهمة الناس على الأرض دون الإعلان عن المشروع والتمهيد له كما أشرنا فى المقال السابق.

أما إذا انتقلنا إلى مشروع تطوير القاهرة التاريخية نفسه، فهو بلا شك رائع من حيث المبدأ، والفكرة التى طرحها رئيس الوزراء بالإبقاء على السكان فى المكان مع نقلهم لعمارات جديدة تُبنى على النمط التاريخى للمنطقة هى دون شك فكرة رائعة وجديرة بالاحترام، علماً بأن القاهرة التاريخية ليست فقط تلك المنطقة المتركزة حول جامعَى الأزهر والحسين، ولكنها محيط ضخم يبدأ من مسجد السيدة نفيسة وحتى مسجد سيدنا الحسين، ومن باب الشعرية إلى الجمالية، ومن تحت الربع إلى خان الخليلى.. وهو ما يفهمه رئيس الوزراء جيداً، والمعنى أن المشروع كبير، والذكاء أنه يأتى فى صلب اهتمامات منظمة عالمية مثل «اليونيسكو» قيل إنها سبق لها أن اعترضت على بعض مشروعات التطوير الأخرى لأنها تغير من الطابع التاريخى للمدينة، فإذا بهذا المشروع يأتى فى صلب المحافظة على الطابع التاريخى للمدينة.. تبقى نقطة واحدة وهى ضرورة دمج السكان فى مشروعات للحرف التقليدية تكون مصانعها خارج أو داخل المكان وتكون معارضها فيه، والتخطيط لأن تكون معروضات خان الخليلى معروضات مصرية خالصة، وليست صينية تنتحل الطابع المصرى أو الإسلامى، وأن يُخطَّط لفتح أسواق لهذه المنتجات خارج مصر، وهى كلها أمور أظنها معلومة لمن يقوم على التطوير بالضرورة.. لقد بدت خطوة الحوار مع أهالى المنطقة قبل البدء فى العمل خطوة متقدمة وجديدة من الحكومة، ولذا كان لا بد من تحيّتها والثناء عليها، وإلى مزيد من الحوار والاستماع لأصوات الناس.