القضية السكانية
هل هى مشكلة عائقة للتنمية أم ثروة بشرية قائدة للتقدم؟
ظللنا فى مصر نتعامل مع القضية السكانية باعتبارها مشكلة تعيق عمليات التنمية وتقف حائلاً ضد خطط التقدم التى يسعى الوطن لتحقيقها، بينما ينظر إليها البعض الآخر على أنها ثروة، ويطلقون عليها الثروة البشرية التى يجب زيادتها، ويعززون وجهة نظرهم بالبلدان كثيفة العمالة، وعلينا أن نبحث هذا الأمر فى موضوعية، وقد أكون أنا واحداً من الذين ينظرون لهذه القضية باعتبارها مشكلة، وهى ليست مشكلة بسيطة ولكنها مشكلة كئود لديها قدرة هائلة على ابتلاع ثمار كل تنمية، فإذا أخذنا على سبيل المثال أن معدل الزيادة السكانية يمثل اثنين ونصفاً فى المائة ومعدل التنمية الاقتصادية يمثل اثنين فى المائة؛ فمعنى ذلك أن الزيادة السكانية سوف تلتهم أى جهود للتنمية طالما أن معدل التنمية يقل عن معدل الزيادة السكانية، إن أول تعداد سكانى تم فى مصر فى العصر الحديث كان عام ١٨٠٠ حيث كان تعداد السكان 2.5 مليون، وبعد ٥٠ سنة فى سنة ١٨٥٠ كان التعداد خمسة ملايين، فى عام ١٩٠٠ بلغ التعداد عشرة ملايين، وفى عام ١٩٥٠ بلغ التعداد عشرين مليوناً، إن عدد السكان كان يتضاعف مرة كل ٥٠ سنة، وفى التعداد الذى تم بعد ذلك عام ١٩٧٦ بلغ عدد السكان أربعين مليون نسمة، وهذا يعنى أن أعداد السكان بدأت تتضاعف مرة واحدة كل ٢٥ سنة، ويرجع ذلك لأسباب مختلفة من بينها الأمراض التى كانت تودى بحياة أعداد من الأطفال وعندما قلّت نسبة الوفيات فى الأطفال وارتفعت نسبة الخصوبة هذا ساعد على زيادة المعدلات السكانية، فضلاً عن ارتفاع مستوى المعيشة، وهذا وغيره ساعد فى تفاقم المشكلة، مع أهمية الثروة البشرية، ولا تقف المشكلة عند الزيادة السكانية (الزيادة العددية) فقط، بل إن هناك خللاً رهيباً فى التوزيع السكانى على الأقاليم الاقتصادية والجغرافية، فبينما نجد الكثافة السكانية فى الكيلومتر تصل إلى مليون نسمة فى منطقة مثل باب الشعرية، نجده فى السويس يصل لـ٢٥ نسمة فى الكيلومتر.
إننا فى مواجهة المشكلة السكانية لا يمكن السيطرة عليها بإجراءات عقابية فقط أو مجرد تعليمات وتوجيهات، إن المشكلة السكانية أشبه بحصان جامح يجرى بسرعة كبيرة ويتبعه صاحبه يريد أن يلحق به وكلما أسرع الحصان قلّت سرعة صاحبه، لهذا لن يستطيع السيطرة عليه إلا إذا وضعت أمامه حواجز وعقبات تؤثر على سرعة الحصان أو تعيق تقدمه كى يستطيع صاحبه أن يلحق به، وهو نفس الشىء بين العلاقة مع معدل الزيادة السكانية ومعدل التنمية؛ فإذا زاد معدل التنمية على معدل الزيادة السكانية وقتها تكون الزيادة السكانية تحت السيطرة، وإذا ظل معدل التنمية أقل من معدل الزيادة السكانية أصبحت مشكلة وخرجت عن السيطرة، وإذا أردت أن تحول الزيادة السكانية من كونها عبئاً على التنمية لتكون ثروة بشرية حقيقية فنحن بحاجة إلى نظام تعليمى متطور ونهضة ثقافية وسياسية وخطط إنتاج عصرية قادرة على استيعاب هذه الطاقات البشرية واستثمارها ونظام يمكّن من مواجهة الخلل فى التوزيع السكانى إلى توزيع متحضر، ولهذا كان المشروع القومى لتنمية سيناء يقوم على توطين ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مصرى من الوادى فى سيناء شمالاً وجنوباً، وإن كنت أرى أن عدم وعى المصريين بخطر استمرار الزيادة السكانية سوف يحول دون تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التى هى طريقنا للتقدم، وأن تحول مصر لدولة متقدمة تتحول بها من مشكلة سكانية عائقة للتقدم إلى ثروة بشرية تقود التقدم، وهذا يحتاج لمؤتمر قومى يدعو له السيد الرئيس ويرعاه من أجل ثروة بشرية قادرة على قيادة التنمية وبأساليب علمية تستطيع أن تحول هذه القضية «القوى البشرية» من كونها مشكلة عائقة للتقدم إلى ثروة بشرية إذا ما أمكن بناؤها وإعدادها وتربيتها تكون قائدة للتنمية وليست عبئاً عليها، إن الإنسان هو وسيلة أى تنمية وغايتها، وحتى تكون هذه «القوى البشرية» ثروة وليست عبئاً فإن بناءها وتنميتها ورعايتها تعليماً وتثقيفاً ورعاية كلما كانت ثورة حقيقية قابلة للنمو وقيادة التقدم ووعى الشعب ومنظماته الأهلية ومؤسساته التعليمية والثقافية يمكن أن تقوم بأدوار إيجابية هائلة.