هل عاد «داعش»؟ (1)
رغم انتهاء حلم تنظيم داعش بإقامة دولة خلافته المنتظرة بعد أن فقد سيطرته على معظم الأراضى التى سطا عليها فى غفلة من الزمان وتغافل من أصحاب المكان، سواء فى سوريا أو العراق، فإن انتهاء هذا الحلم الدموى لا يعنى بالتأكيد انتهاء التنظيم، ولا التوقف عن إثارة التساؤلات حول مصير هذا الفصيل الإرهابى ومستقبله ومصير ما جناه من أموال، خاصة فى ظل ما أثارته مراكز أبحاث ودوائر فكرية وإعلامية غربية عن أن التنظيم ما زال يمتلك كميات كبيرة من الذهب والأموال المسروقة، ولكنه نجح فى إخفائها من أجل الاستعانة بها فى أى وقت يتمكن فيه من العودة مرة أخرى، وهنا تظهر عدة تساؤلات هى: ما مصير هذه الأموال؟ وأين أخفاها «داعش»؟ وهل يمكن أن يعود هذا التنظيم الإجرامى مرة أخرى؟
قبل أيام قليلة قال الكولونيل واين مارتو، المتحدث الرسمى باسم التحالف الدولى لمحاربة «داعش»، فى تصريحات صحفية لافتة وذات دلالة بالغة إن التنظيم الإرهابى يسعى للعودة مجدداً من خلال عمليات الاغتيالات التى ينفذها فى مناطق سورية مختلفة، يخضع معظمها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية وأخرى تقع تحت سيطرة قوات النظام السورى، والتى فقدت العشرات من عناصرها خلال شهر فبراير الحالى فى البادية السورية.
قد يكون الكولونيل مارتو محقاً حين قال إن تنظيم «داعش» الإرهابى «هزم إقليمياً، ولم يعد باستطاعته السيطرة على مواقع جغرافية فى سوريا أو العراق، لكنه لا يزال يمثل تحدياً خطيراً، لذلك نواصل الضغط عليه مع شركائنا الأمنيين المحليين فى كلا البلدين». لكن ربما يكون قد جانبه الصواب حين قال فى التصريحات نفسها إن التنظيم صار «مشلولاً مالياً»، إلا أنه يستمر فى التمرد وتوسيع نفوذه باستخدام تكتيكات قتالية كعمليات الاختطاف والاغتيال وترهيب القادة المحليين وقوات الأمن، إذ إن القدرة المالية، وليس الشلل المالى هى التى تفسر استمرار خطر «داعش» رغم انتهاء حلم دولته، وهناك الكثير من التقارير الاستخباراتية، التى ربما تكون قد توقعت أو تنبّأت باستمرار خطورة التنظيم بعد إعلان هزيمته قبل أكثر من ثلاث سنوات، بالنظر إلى حجم ما يمتلكه من أموال قد تمكنه من استئناف تنفيذ مخططاته، ففى ديسمبر 2018، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسئولين استخباراتيين وخبراء فى مكافحة الإرهاب قولهم: إنه بعد مرور أكثر من عام على انهيار نظام الخلافة المزعوم الذى أعلنه تنظيم داعش، فإن التنظيم ما زال يمتلك حتى اللحظة كمية مهولة من الأموال المسروقة، التى قد تصل إلى 400 مليون دولار، أخفاها قادته لتمويل العمليات الإرهابية وضمان استمرار التنظيم لسنوات مقبلة، وحسب الصحيفة الأمريكية، حمل مقاتلو داعش أثناء انسحابهم من معاقلهم السابقة فى العراق وسوريا مبالغ طائلة بالعملات الغربية والعراقية والعملات الذهبية اكتسبوها كلها تقريباً من نهب البنوك وممتلكات الغير.
وفى حين تم دفن جزء من هذه الثروة، أو أخفيت بعيداً عن الأنظار، قام قادة التنظيم بغسل عشرات الملايين من الدولارات من خلال الاستثمار فى أعمال تبدو شرعية فى الشرق الأوسط على مدار الأعوام القليلة الماضية، بهدف تمويل عودة مستقبلية لتنظيم داعش، وهو احتمال كان يُخشى حدوثه فى سوريا بعد القرار الأمريكى المتعجّل بسحب القوات الأمريكية من هناك، والذى أعلنته إدارة «ترامب» فى ديسمبر 2018 قبل التراجع عنه، وهو الأمر الذى يتجلى الآن بقوة فى مناطق سورية متفرّقة تنشط فيها عمليات الاغتيال، التى ينفّذها التنظيم الإرهابى، حيث تبنّى فى شهر يناير الماضى، اغتيال الناشطتين سعدة فيصل الهرماس وهند لطيف الخضير بريف مدينة دير الزور.