ماذا يفعل الدكتور الخشت في جامعة القاهرة بالضبط؟
ذات يوم.. قلت للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة: «فلان الفلانى محامٍ شهير ولكن شهرته اكتسبها من الكتابة فى عدد من الصحف.. وفيها وقف إلى جانب وطنه وجيشه واليوم يمر بمحنة صحية كبيرة.. والرجل لم يكن من أولئك الذين يجيدون البيزنس.. فهل يمكن علاجه بأحد مستشفيات جامعة القاهرة؟»، رد على الفور وقال: طبعاً.. ثم أكمل: سأبلغ حالاً مدير المستشفيات الجامعية، ثم أرسل رقمه ومعه رقم مدير مستشفى المنيل الجامعى.. وذهب الرجل واستُقبل أفضل استقبال وخففت بعض من آلامه واطمأن أن وطنه به من يهتم به.. قبل أن يلقى ربه!
بعد فترة حدثت الدكتور الخشت مرة أخرى: هل هناك بند لعلاج الفقراء مجاناً؟ قال على الفور: «نعم.. لدينا.. وفرنا بنداً بذلك.. والحمد لله يؤدى البند واجبه تجاه هؤلاء.. أرسل اسم المريض» وقد كان.. ولم يصدق الرجل ما جرى معه.. أشعات وتحاليل وفحوصات مجاناً تماماً ولم يصدق الرجل ما تم معه.. ومع ذلك كان الأهم على الإطلاق.. الاستقبال المهذب.. الذى يليق أولاً بكرامة المصرى.. ويليق بمهنة الطب الجليلة التى يطلقون على من يؤدى واجبه فيها بـ«ملائكة الرحمة»!
مرت الأيام.. وصدفة جمعتنا بواحد من بسطاء مصر.. وقد ارتفع ضغط دم زوجته بشكل مفاجئ وبلا سبب محدد.. وتأثر البصر على الفور.. ولم يجد من نصائح المقربين إلا الجرى بها إلى «قصر العينى» وهناك وجد الدخول من باب، وباب الاشتباه فى كورونا من باب آخر.. وبعد شرح لما جرى كانت الأشعة هى القرار الأول بعد الإجراءات الروتينية من قياس الضغط ودرجة الحرارة وغيرهما.. والأشعة تعطى تشخيصاً مطمئناً لكنه ليس نهائياً بما يتطلب تحاليل أخرى.. وتتم وتكون مطمئنة لكن الزوجة فى إرهاق شديد.. بما يستلزم وضع محاليل وبعدها تسترد الزوجة عافيتها وتعرف أن الوقت قد بلغ الفجر فى رحلة علاج استمرت عدة ساعات بما يدفعها وزوجها إلى شكر الطاقم الطبى كله من أطباء وممرضات وممرضين وفنيى الأشعة وهنا تكون المفاجأة.. الطاقم الطبى يرفض! ليس الأمر متروكاً لكم! لم تزل تحتاج إلى مستوى آخر من التحاليل.. ومن الأشعة! وقد كان بما فيها أشعة مقطعية.. وبعد الاطمئنان الكامل سمحوا لهم بالانصراف!
يقول الرجل: ما قدم لنا يبلغ عدة آلاف، ومع ذلك يؤثر فينا أكثر هذا الحرص علينا وعلى عدم مغادرتنا المكان إلا بعد الاطمئنان الكامل على زوجتى.. وهذا جعلنا نشعر وبصدق أننا أمام حكماء وملائكة رحمة فعلاً.. وأن أموراً كثيرة تبدلت فى بلادنا!
لماذا نحكى هذه القصص؟ نحكيها لنؤكد أولاً أن الإنسان أصبح له بالفعل قيمة فى بلده.. ونحكيها ثانياً لنؤكد أن هناك من المسئولين من يلتزمون بخطط حكومتهم ودولتهم فى الارتقاء بالجوانب الإنسانية.. وهناك منهم من يستطيعون تقديم نماذج فى الإدارة رائعة وناجحة تحول المؤسسات الفاشلة إلى منظومات من النجاح تستطيع أن تحقق التوازن فى كل شىء.. واجب الدولة وحقوقها.. واجب المواطن وحقوقه.. واجب الموظف وحقوقه.. ثم التزام ذلك كله بضوابط القانون واللوائح!
ثم اكتشفنا.. أنه سواء كنا تحدثنا إلى الدكتور الخشت أو لا.. كان من توسطنا لهم سيلقون ذات الرعاية الفائقة التى تلقاها الرجل وزوجته! وهذا فى ذاته كان مطلباً متعثراً.. أن يُعامل الإنسان باحترام لأنه إنسان.. ولأنه مواطن وليس لأنه يعرف فلاناً أو يعرف علاناً! على المستوى العملى تحقق الجامعة كل يوم تقدماً كبيراً فى مجالات عديدة.. منها هذه المكانة غير المسبوقة فى التصنيفات الدولية وآخرها تجاوز 117 مركزاً عالمياً خلال عام 2020 فى التصنيف الإسبانى «ويبومتركس» طبقاً لأحدث تقرير لأفضل جامعات العالم الذى نشر قبل أيام وتحديداً فى 27 يناير 2021 وذلك بنسبة تقدم قدرها 17.5% عن العام الماضى!
كذلك جاءت الجامعة الأولى أفريقياً فى تصنيف ليدن الهولندى CWTS ضمن الأفضل من بين 30 ألف جامعة عالمية بتقدم 34 مركزاً عن العام السابق له!
وفى تصنيف التايمز العالمى Times Higher Education قفزت الجامعة 150 مركزاً وتربعت على رأس 250 جامعة عالمية فى علوم الكمبيوتر.
لم يكن ذلك وحده الذى جرى، ففى معدل الاستشهاد الدولى بالبحوث المنشورة دولياً تقدمت «القاهرة»210 مراكز دفعة واحدة متصدرة الجامعات المصرية، وذلك بتقدم عالمى بنسبة 34% مقارنة بالعام الماضى! وهو ما يعنى أن قفزة حدثت العام الماضى أيضاً!
هذه النهضة التى جرت الثلاث سنوات الأخيرة جعلت جامعة القاهرة تحتل الصدارة والمركز الأول بين الجامعات المصرية فى تصنيف QS البريطانى فى 21 تخصصاً أكاديمياً دقيقاً، حيث تقدمت عليها فى 3 قطاعات من بين 5 وهى الهندسة والتكنولوجيا فى المرتبة 176، والعلوم الطبية فى المركز 208، والعلوم الطبيعية فى المركز 321، بالإضافة إلى تقدمها فى العلوم الاجتماعية والإدارية ووصولها للمركز 271، حيث دخلت العلوم الاجتماعية والإنسانية لأول مرة عام 2018!
جامعة القاهرة جاءت على رأس 50 جامعة فى تخصصات الصيدلة وعلم الأدوية فى الفئة من 51-100 واحتلت المركز 101 عالمياً فى تخصصات علوم الكمبيوتر ونظم المعلومات والهندسة المدنية والإنشاءات فى الفئة من 101-150 وجاءت فى المركز 151 عالمياً فى تخصصات اللغات الحديثة والعلوم الطبية وضمن أفضل 300 جامعة عالمياً فى قطاع الآداب والإنسانيات والتوظيف.
وبحسب تصنيف شنغهاى الصينى ARWU تفوقت جامعة القاهرة على جامعات أوروبية وأمريكية مرموقة وهى الجامعة المصرية الوحيدة ضمن أفضل 400 جامعة عالمية وتقع فى الفئة من 301-400!
الأرقام كثيرة.. وفى مختلف الاتجاهات.. وكلها ولله الحمد بشهادات من مراكز ومؤسسات ومعاهد دولية معتبرة.. ومعها جهود حولت جامعة القاهرة إلى مركز تنوير كبير.. وملاذ آمن للطلبة وللبحث العلمى.. بل ملاذ آمن للأساتذة ممن رأوا أمام أعينهم حلم مدينة هيئة التدريس تتحقق وفى زمن قياسى.. ورأى المجتمع كيف قدمت المراكز البحثية التابعة للجامعة أبحاثاً مهمة فى أزمة كورونا.. ورأى المجتمع كيف يختفى الإخوان من داخل أسوار الجامعة، ورأينا كيف أعيد بناء معهد الأورام وعلى أروع ما يكون!
أجمل ما فى كل ما سبق، والذى يتم بالإدارة الواعية الرشيدة المخلصة المثقفة المستنيرة.. أنه يتم بهدوء وبلا ضجيج.. وبثقة على الإنجاز بلا غرور، وبتحقيق انتصارات فى مجالات عديدة بلا تضخم ذات.. وبقدرة على خوض المعارك لكن بلا تشنج وبغير استعراض!
كل التحية للدكتور محمد الخشت وللذين معه.. وكما نكشف المهمل والفاسد يحق علينا أن نعطى «تعظيم سلام» لكل مخلص مؤتمن على قطعة عزيزة من بلادنا!