لماذا لم أعد أعارض السيسى؟

لطفى سالمان

لطفى سالمان

كاتب صحفي

(1)

قبل 6 سنوات، كنت 23 عاماً آنذاك، كان لدىّ اعتقاد بأن الرئيس السيسى لا يصلح لحكم مصر.

كان اعتقادى مبنياً على أن العسكريين لا يصلحون لحكم الدول.

باليقين، عزز شعورى هذا تقلص ملعب السياسة وتآكل فرص التعددية وتراجع كل هوامش الحرية. باليقين أيضاً، مصر اليوم، غير التى عرفتها.

صحيح لم تتزايد مساحات السياسة ولا التعددية، لكن الصحيح أيضاً، أو الذى أنا على يقين منه الآن، أن مصر لم تعد كما كانت.

لا أحد بمقدوره أن ينكر الواقع أو يمحو الحقيقة أو يمنع المستقبل.

الجلوس فى مقاعد المعارضة رغم وطنيتها وصدق مقاصدها ونبل أهدافها، لا يمكن أن يقارن أبداً بصعوبة الجلوس فى مقاعد السلطة فى بلد مثل مصر، كان قبل 6 سنوات يحتاج لمعجزة إلهية لتدفق الأكسجين فى شرايين مواطنيه من الفقر.

السعى نحو مثالية الحكم، لا يمكن له أن يحدث فى بلد تراخت كل أعمدته وتهالكت كل موارده.

وإذا كان الحديث عن فتح المجال العام مهماً، فإن الحديث عن حياة الناس ومصالحها أكثر أهمية وأولوية.

(2)

الرئيس السيسى ورث كل شىء يمكن أن يُفشِل رئيساً.

من دون أرقام، فى الخمسين عاماً الأخيرة من القرن الماضى، تأثر الوضع الاقتصادى بالأوضاع الأمنية والسياسية والسكانية.

تراجع الاقتصاد صاحبته زيادة حادة فى معدل النمو السكانى وعجز الدولة عن الإيفاء بالخدمات بنفس معدل الزيادة السكانية وغياب التخطيط.

بلغة الأرقام، تدنت معدلات النمو فى 2011، حتى وصلت إلى ـ2.2%، فى رابع أسوأ معدل للنمو بعد أعوام 1967 و1973 (0.7)، و1991 (1.1)، بينما تنفس قليلاً فى 2018-2019 حتى وصل لـ5.6%، قبل أن يلتهم كورونا كل شىء ونعود لـ3.6% فى 2019-2020.

فى الدول التى يتأثر فيها الاقتصاد، حتى يصل حد الاقتراض، يتأثر كل شىء.

فى مصر، تأثر الوضع الاقتصادى بالتغير الحاد فى الأوضاع الداخلية للدولة. بلغة السياسة، شهدت البلاد سيلاً من الفوضى فى الفترة من 2011 حتى 2014، سبّب هجرة لرؤوس الأموال ودفع نحو السحب من الاحتياطى النقدى.

بلغة الحروب، خاضت مصر حروباً أعوام 48 و62 و67 و73، عمقت من جراحها ووجهت كل إنفاقها للدعم العسكرى. بلغة الإرهاب، أوجعتنا أحداث صعبة حصدت أرواحاً طاهرة وشوّهت سمعتنا، وعجزت عن رتق هُوى اقتصادنا.

بلغة التكدس، فى عام 1950 كان عدد السكان 19 مليون نسمة وصل فى 2000 إلى 65 مليون نسمة بمعدل زيادة 240%، وفى 2020 وصل إلى 100 مليون نسمة بمعدل زيادة 54%.

فى 1980، كانت الأجهزة الإحصائية تسجل مولوداً كل 20 ثانية. فى 2020 تسجل مولوداً كل 13.5 ثانية.

فى سياق المقارنات، عدد سكان مصر عام 1950 كان يساوى عدد سكان إيطاليا. فى 2019، صار عدد سكاننا يساوى عدد سكان إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة والسويد وبلجيكا.

نعم، عدد سكاننا الآن يساوى عدد سكان 6 دول مجتمعين.

فى 1950 عاش 19 مليون نسمة على 3.5% من مساحة مصر. فى 2020 وصلنا 100 مليون يعيشون على 7% من مساحة مصر الكلية.

فى عام 1953 كان عدد الطلاب 1.9 مليون طالب موزعين على 5500 مدرسة. فى 2020 وصل عدد الطلاب إلى 23.5 مليون طالب موزعين على 56500 مدرسة. فى 1950 كان لدينا 40 ألف طالب فى 6 جامعات ومعاهد. فى 2020، صار لدينا 3.1 مليون طالب فى 288 معهداً وجامعة.

الأرقام لا تكذب أبداً.

الأرقام فاضحة!

معدلات الزيادة فى السكان لم يصاحبها توازٍ فى زيادة الموارد والخدمات.

فى عام 1900 كان حجم مواردنا واستخداماتنا 10 ملايين جنيه. فى 1950 بلغت قيمة إيراداتنا 180 مليون جنيه واستخداماتنا 200 مليون جنيه. فى 2020 وصلت إيراداتنا لـ1309 مليارات جنيه واستخداماتنا لـ1742 ملياراً بخلاف المنح والقروض.

فى العشرين عاماً الماضية زاد الدعم من 15 مليار جنيه فى عام 2000 إلى 326 مليار جنيه فى 2020.

بلغة المحاصصة، زاد نصيب الفرد من الدعم من 227 جنيهاً إلى 3231 جنيهاً.

بلغة الاقتصاد، التوجه نحو مضاعفة نصيب الفرد من الدعم، عزز من الضغوطات على عجز الموازنة العامة.

(3)

عاشت مصر سنوات من العشوائية والانحدار والفساد والانهيار والاضمحلال والأمية.

سنوات غلب فيها الفساد كل شىء، حتى صار جزءاً من الحياة اليومية، زاده الاعتياش عليه، حتى غرقنا جميعاً.

عاشت مصر سنوات من الشعارات.

الشعارات الفارغة.

فى الحظة التى تحول فيها معنى الشعارات فى قواميسنا اللغوية إلى دلالة للفراغ والهزيمة والانكسار والانسياق والخوف، وصلنا للقاع.

نحن فى القاع إذن.

الباحثون عن المثالية، لا يمكن لهم أن يكونوا مثاليين فى أوضاع مثل هذه وأحوال مثل هذه.

لا يمكن لدولة أن تكون مثالية، بينما يعيش غالبية مواطنيها فى قاع خط الفقر.

الدولة التى تشيخ لا يمكن لها أن تكون حرة.

الدولة التى تشيخ، لا بد لها من مشاريع تصلب قواها.

(4)

فى السنوات التى سبقت عام 2014، وزعت جثث المصريين مشوهة ومتفسخة على أسرّة الفقر واليأس والجزع وقلة الحيلة والتردى.

فى عام 2014 كانت لدينا 357 منطقة مصنفة على أنها غير آمنة. فى 5 سنوات طورت الحكومة 296 منطقة بإجمالى 175 ألف وحدة وتعمل على تطوير 61 منطقة أخرى بإجمالى 67 ألف وحدة، لخدمة 1.2 مليون نسمة، بتكلفة تقديرية تصل إلى 62 مليار جنيه.

فى الفترة من 2014 حتى 2020، عملت الحكومة على تطوير 132 منطقة غير مخططة (152 ألف فدان)، انتهت من 53 منها (تخدم 460 ألف أسرة)، وتعمل على 79 أخرى (تخدم 690 ألف أسرة)، بتكلفة تقديرية كلية تصل إلى 318 مليار جنيه.

فى 2014 كان حجم الإنفاق العام على الصحة 44 مليار جنيه. اليوم وصل إلى 93.5 مليار جنيه، بمعدل زيادة 112%.

فى 7 سنوات تضاعف عدد المستفيدين من خدمات التأمين الصحى، وارتفع من 27 مليون مستفيد فى عام 2000-2001 إلى 56 مليوناً فى عام 2017-2018. فى سنوات حكم السيسى، تضاعف حجم الاستثمار الحكومى الموجه للتعليم من 7.6 مليار جنيه إلى 31.7 مليار جنيه بمعدل زيادة 417%.

فى 2014، كان معدل البطالة 13.2، وصل فى 2019 إلى 7.9، لكن كورونا أوصله مرة أخرى إلى 9.6%.

فى الفترة من 1977 حتى 2014، أنشأت مصر 24 تجمعاً عمرانياً بتكلفة 75 مليار جنيه. فى الفترة من 2014 حتى 2020، خططت مصر لبناء 30 مدينة جديدة، انتهت من 22 منها، بإجمالى استثمارات 690 مليار جنيه.

فى الطرق، نفذت الحكومة فى 7 سنوات أطوال طرق بنسبة 30% من إجمالى شبكة الطرق الرئيسية المنفذة قبل 2014. فى 7 سنوات نفذت مصر مليون وحدة سكنية مخفضة الأسعار ومدعومة للمواطنين.

«السيسى» فى 7 سنوات، مد يده إلى كل شىء. أشياء كان مجرد ذكرها يثير الخوف والقلق، صار اليوم عادياً مطمئناً. وإذا كانت الدولة مدت يدها للعمران، فإنها بالتوازى تعمل على بناء شبكة اجتماعية حاضنة للفئات الأقل دخلاً، فى أكثر من 4 آلاف قرية (58% من سكان مصر) بتكلفة تجاوزت 500 مليار جنيه، اسمها «حياة كريمة».

(5)

مرة أخيرة: إذا كان الحديث عن تهيئة المجال العام وتسليك شرايين السياسة المعطلة مهماً، فإن الحديث عن احتياجات الناس وما نفذ لهم أكثر أهمية وأولوية.