البوابة الذهبية للفساد!!
سمحت لى مهنة الصحافة بالاقتراب كثيراً من بعض الوزراء ومستشاريهم، والاطلاع على ما يحظى به كل من يحمل لقب «مستشار» من مزايا نقدية وعينية دون أن يقدم استشارات حقيقية، ودون أن يتعدى دوره فعالية عضو مؤسس فى شلة «مسئول كبير»؟!.
لم أكن أعلم من أين يحصل المستشار على سيارة فارهة تسجل باسمه، أو بدلات للسفر والاجتماعات بالعملة الصعبة.. حتى عرفت أن هناك مغارة كتلك التى فتحها «على بابا» للفساد المقنن اسمها: «الصناديق الخاصة»!.
إنها أشبه بالصندوق الأسود المثبت على الطائرة، لا أحد يعرف ما بداخله من معلومات، تصب فيها إيرادات أى هيئة عامة أو وزارة، ولا تخضع لوزارة المالية أو الموازنة العامة للدولة.. ويتم صرف ما فى الصناديق الخاصة من مليارات كمكافآت وحوافز وأجور للمحاسيب الذين يسمونهم «خبراء»!!.
الدكتور «عبدالخالق فاروق»، الخبير الاقتصادى، مدير مركز «النيل للدراسات الاقتصادية»، يقول إن التقديرات الأولية للصناديق والحسابات الخاصة تصل لما يقرب من 300 مليار جنيه، ما بين إيرادات ومصروفات، فى حين يقدر الفائض المالى بعد خصم المصروفات بما يصل إلى 100 مليار جنيه.. وقد بدأ تطبيقها عام 1979، حيث تم خلاله تعديل قانون الموازنة العامة للدولة بحيث تم فصل الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام عنها واستقلالها فى موازنات منفصلة.
ثم بدأت بعدها سلسلة من القوانين والقرارات لإنشاء الحسابات والصناديق الخاصة، والتى تنص على إيداع إيرادات بعض الهيئات فى تلك الحسابات بعيداً عن الخزانة العامة، فحرمت الدولة من تلك الإيرادات الضخمة، وفى الوقت نفسه خلقت شبكات فساد كبيرة فى تلك الموازنات غير المنظورة.
إنه شكل من أشكال «الفساد المقنن»، الذى يطلق يد المسئول فى بعثرة أموال الدولة دون أى رقابة من أى نوع، فى وقت تطالب فيه حكومة «محلب» بالتقشف وربط الأحزمة.. ويجوع فيه المواطن الغلبان ويستدين لتسديد فواتير الوقود والطاقة!.
وضع شاذ لا مثيل له فى أى اقتصاد عالمى، أبقت عليه الحكومات السابقة لتحقيق أقصى استفادة منه فى الخفاء.. فحتى الجهاز المركزى للمحاسبات لا يستطيع إحكام السيطرة والرقابة على تلك الصناديق، فالجهاز لا يمتلك الكوادر الفنية المدربة لتغطية أكثر من 8 آلاف صندوق وحساب خاص، كما أن هناك صناديق صدرت بقرارات وزارية فى بنوك خاصة، لا يعلم الجهاز شيئاً عنها!.
لقد أصدر الرئيس «عبدالفتاح السيسى» قراراً بقانون بربط موازنة العام المالى 2014/ 2015، وتتضمن ضم 10% من جملة الإيرادات الشهرية للحسابات والصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص للموازنة العامة، وبالتالى يتبقى 90% من أموال الصناديق خارج دائرة الرقابة والمحاسبة.
لابد من وقفة حاسمة، وإصدار قرار بقانون بتصفية تلك الصناديق الملوثة، وضم حسابات تلك الصناديق إلى خزانة الدولة، وإلغاء جميع التشريعات والقوانين التى تسمح بإنشاء صناديق أو حسابات خاصة.. وتحديداً فى وزارات مثل البترول والداخلية والخارجية.. وهيئات تبيع أراضى الدولة مثل هيئة المجتمعات العمرانية والزراعية.
لا يمكن أن نتحدث عن «العدالة الاجتماعية» ونفتح أبواباً خلفية للفساد، ولا أن نجلد المواطنين برفع الدعم بينما لدينا مليارات يمكن أن تسهم فى تخفيض عجز الموازنة.. ولا يجوز لمجتمع يرفع سيف «الحد الأقصى للأجور» أن يترك صندوقاً يمنح رئيس جامعة -مثلاً- مليون جنيه شهرياً!!.
قمة الازدواجية أن ننهى التجار عن الجشع والاستغلال، ونفتح صندوقاً خاصاً لملء كروش «كبار المسئولين».. إنها مهزلة تهدد مصداقية نظام يجمع التبرعات من المواطنين ورجال الأعمال ويفرط فى المليارات لتدليل الوزراء والمسئولين!.
ننتظر قراراً بقانون من القيادة السياسية لغلق البوابة الذهبية للفساد.. ونتمنى أن يكون سريعاً.