أموال «بايدن» المُظلمة.. ومشاهد متنوعة أخرى

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

طالعت قبل أيام تقريراً صادراً عن وكالة بلومبيرج الأمريكية حول تمويل الحملات الانتخابية للمرشح جو بايدن، تضمن الكثير من التفاصيل المثيرة عن دور «المال السياسى» أو ما يسمونه فى أمريكا «الأموال المُظلمة»، رصد التقرير أن مانحين مجهولين قدموا لمجموعات مؤيدة للمرشح الديمقراطى 145 مليون دولار، واعتبرت الوكالة أن «تلك الأموال كانت تمهيداً لفوز جو بايدن، ولن يكون لدى جمهور الأمريكيين أى محاسبة كاملة لمن ساعده فى الوصول إلى البيت الأبيض».

ومن بين المعلومات مثلاً أن منظمة تُسمى «مدافعون معاً عن الديمقراطية» أنفقت 15٫6 مليون دولار على دعم «بايدن»، وهى بالمناسبة منظمة سياسية غير ربحية، ويتيح القانون أن يتبرع المانحون الراغبون فى تجنب الإفصاح عن أسمائهم لهذه المنظمات، وهى تقوم من جانبها بتوجيه الأموال المُظلمة، أى غير المُعلن عن أصحابها، ولا يُطلب منها (المنظمة) الكشف عن مساهميها، وكما يقول التقرير فإنها «الأموال المعتمة عن بصر الجمهور»، التى لا يعرف أحد شيئاً عن مصدرها أو أهدافها.

التقرير يتضمن الكثير من المعلومات والأسماء والأرقام، كما يتضمن مستخلصات ونتائج وتقديرات قانونية وسياسية، جميعها انتهت إلى أن المال السياسى لعب دوراً مهماً فى دعم حملة «بايدن» من خلال تلك المنظمات السياسية غير الربحية، وهى أرقام تُعد الأعلى فى المنافسات الانتخابية الأمريكية، وكشف التقرير كيف لعبت تلك التدفقات المُظلمة دوراً فى تعقيد محاولات وجهود إصلاح النظام الانتخابى، ومن أهم ما رصده تقرير «بلومبيرج» أن الديمقراطيين طالما انتقدوا الأموال الداكنة لكنهم استخدموها هذه المرة لتشديد الحصار على «ترامب»، وفى جهودهم لهزيمة المنافس تبنوا مسار الأموال المُظلمة.

القائد القوى أهم من البرلمان

10 أعوام على الانتفاضات فى بلدان عربية كانت كفيلة بإسالة لعاب العديد من المنصات الإعلامية للبحث والتقصى عن النتائج وما آلت له الأحوال، ومن هذه المنصات أو المنظمات كانت مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، التى أجرت استطلاعاً للرأى فى 6 دول عربية.

اللافت نتائج الاستطلاع فى تونس التى بدأت دوامة الانتفاضات العربية، خصوصاً ما يتعلق بالموقف من الديمقراطية فى البلد الذى يعانى أزمات عدة، وخرج قبل 10 أعوام مطالباً بالديمقراطية والحرية.

رصد الاستطلاع ملاحظة غاية فى الأهمية؛ حيث أجاب 33% فقط من المستطلعة آراؤهم بنعم عن سؤال إذا كان ينبغى أن يكون بتونس نظام برلمانى ذو منافسة حزبية حرة، وهى نسبة متراجعة فى النظرة للديمقراطية، كما وافق 61% من المستطلعة آراؤهم على إلغاء البرلمان ليحل محله قائد قوى، وهو ما عكس بحسب الاستطلاع «إحباطاً من النظام السياسى الذى لم يُحسن حياة الناس»، وبالقطع لا يُمكن تأييد مثل هذه المطالبات، فالديمقراطية ستظل هدفاً وحلماً، لكن اللافت أن ما خرج له الناس قبل 10 سنوات لم يتحقق، بل يبدو أن الأحوال تدهورت ورجعت إلى ما كانت عليه، أو انقلبت باتجاه آخر، هو نفسه لا يحقق طموحات الناس ولا يُلبى متطلباتها، والأهم أن فكرة البرلمان والانتخابات وخلافه لم تتمكن وحدها من فك اشتباك خيوط أزمات المجتمع.

الاستطلاع مهم جداً، فهو يرصد حال الناس على مستويات عدة بعد عشر سنوات من الانتفاضات، والمتغيرات العميقة التى شهدتها المنطقة، والنتائج التى صارت عليها الأوضاع من صعود لقوى، وتراجع لقوى أخرى، والتطاحن السياسى الدائر، والأزمات المتعددة وتأثيرها على عرقلة عمليات التنمية بمختلف تنوعاتها.

تطرف نسائى

ومن الخارج إلى الداخل، ومن دون شك أن المجتمع المصرى يخوض معركة فكرية وإنسانية وأخلاقية ضد الإساءة للمرأة، بعد تصاعد جرائم التحرش فى الآونة الأخيرة وغيرها من الأحداث اللافتة للنظر والتى تتعارض تماماً مع ثقافة المصريين وتاريخهم، لكن اللافت أيضاً أن التطرف هنا يقابله تطرف هناك، ولا أعتقد أن التشدد يفيد أصحاب القضية، لكنه بالتأكيد يضر بأهدافهم ومطالبهم.

مؤخراً خرجت علينا نائبة تُطالب بوضع كاميرات مراقبة فى وسائل النقل العام، لحماية المرأة وضبط المُتحرشين، وهو هدف غريب لحد كبير، فهذه الكاميرات مطلوبة للحفاظ على الأمن العام، وهى منتشرة فى العديد من بلدان العالم، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أى استراتيجيات أمنية لحماية المجتمع من الجرائم على مختلف تصنيفاتها، والحقيقة أن مجرد التفكير باقتصار كاميرات المراقبة على جرائم التحرش يعكس حالة تشدد فى التعامل مع الأمر، ونظرة قاصرة على أهمية حماية المجتمع كله، وليس جزءاً من مكوناته.

ونفس الحال ينطبق على اقتراح نائبة أخرى بتعديل قانون العقوبات للنص على عقوبة السجن خمس سنوات للزوج المُعتدى على زوجته، وبالقطع نحن فى احتياج للردع فى هذا النوع من السلوكيات المجتمعية المُشينة، ولكن هل تمت مراجعة فلسفة العقوبة فى التشريعات؟ وهل بحثنا فى العقوبات المقررة لجرائم أكثر ضرراً بالناس؟ وهل أجرينا مقارنات فى هذا الجانب لنتأكد من تناسب العقوبة مع الفعل؟ ظنى أننا لا نحتاج للتطرف فى معالجة مشكلاتنا.

عمارة الدائرى المحروقة

عقب زلزال عام 1992 -لا أعاده الله- نشرت فى جريدة الأهالى تقريراً صادراً عن محافظة الجيزة، كشف أن 80% من المبانى فى مدينة الجيزة -من إمبابة إلى المنيب- غير مُرخصة، وبالتالى لم تخضع بالقطع لفحص مدى توافر اشتراطات البناء المطلوبة، وذهب الزلزال وأيامه، ونام التقرير فى الأدراج، واستمرت عمليات البناء بلا تراخيص أو اشتراطات بناء، وتستطيع أن تتأكد بعينيك وأنت تسير فى الشارع من أبسط هذه المخالفات بالمحال التجارية أسفل العمارات بل وصعودها حتى الطوابق الأولى من البناية، وقبل أيام قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن حول حريق مخازن عقار الدائرى بالجيزة الذى التهم برجاً سكنياً وألحق أضراراً بالغة بحياة عشرات الأسر، وهو الحادث الذى جاء متواكباً لسوء الحظ مع حملة المخالفات والمُصالحات، وتعاملنا معها كحادثة جديدة مؤلمة وليست نتاجاً لمخالفات تتكرر يومياً دون أى إجراءات مواجهة جادة، وأخشى أن تمر الأيام وتنقضى، حتى نصحو مرة أخرى على حادثة أضخم وأكبر، كما حدث بعد 30 عاماً على تقرير الزلزال.