في ذكرى «عبارة السلام».. ناج يحكي تفاصيل 3 أيام بعرض البحر: معرفش عشت إزاي

في ذكرى «عبارة السلام».. ناج يحكي تفاصيل 3 أيام بعرض البحر: معرفش عشت إزاي
- عبارة السلام
- عبارة السلام 98
- ناج من غرق العبارة
- غرق العبارة
- الناجون من غرق عبارة السلام
- عبارة السلام
- عبارة السلام 98
- ناج من غرق العبارة
- غرق العبارة
- الناجون من غرق عبارة السلام
يترنح جسده في البحر، تكسو المياه أكثر أجزاء جسده، رأسه في الهواء الطلق، يفصل بين النصف العلوي من جسده والسفلي عوامة صغيرة، هي التي تبقيه على قيد الحياة، ينظر إلى اليمين، ثم يضرب بعينيه إلى اليسار، لا يرى شيئًا، بحر واسع، وفضاء لا نهاية له، السواد يغلب الرؤية، لا يكاد يرى ما أمامه، يضرب الماء البارد في جسده كالرصاص، آهاته يسمعها السمك، يهتز الماء حوله من الارتعاش، الشتاء لا زال في منتصفه، برد فبراير ينهش في لحمه، والمياه تكاد تتجمد من شدة البرودة.
هكذا قضى محمد رمضان عرفة 3 أيام كاملة في عرض البحر، بعد أن غرقت العبارة التي كانت تحمله هو ومن معه، في الحادثة الشهيرة المعروفة إعلاميًا باسم «حادث عبارة السلام 98»، التي يمر اليوم، 2 فبراير، الذكرى الـ15 على وقوعها.
ذكرى غرق عبارة السلام 98
غرقت «عبارة السلام» في عام 2006 في البحر الأحمر، وتعد أكبر كارثة بحرية في قطاع النقل البحري المصري، حيث كانت في طريقها من ميناء ضبا السعودي إلى ميناء سفاجا البحري المصري، وكانت تنقل العديد من المواطنين المصريين.
يروي محمد رمضان، أحد الناجين من العبارة، لـ«الوطن»، بداية الكارثة، حين صعد دخان كثيف من جوانب العبارة، واستمر في الصعود، فتساءل الركاب: «إيه اللي بيحصل»، وكان الرد: «مفيش حاجة دخان والع وطفى»، تبعه ارتياح وهدوء: «لقينا الموضوع مش مستاهل».
مرت الساعات، النيران تزداد في الاشتعال، والدخان يستمر في الصعود، يحكي رمضان: «أنا شغال سواق وكنا متحركين لميناء سفاجا، العبارة كلها كانت هايجة، كنا الساعة 10 بالليل، الناس بتسأل إيه اللي بيحصل، يقولوا مسيطيرين على الموقف، فضلنا ماشيين بالعبارة 3 ساعات والنار والعة، الناس بتصرخ والعبارة بتهتز يمين وشمال، ناس تقول مفيش حاجة وناس تقول العبارة والعة وبتغرق».
الثانية منتصف الليل.. «العبارة بتغرق»
دقت الثانية بعد منتصف الليل، السحب تتجمع بسرعة رهيبة، الأمطار تنزل من السماء، ربما تسيطر على الحريق، لكن دون جدوى، النيران لا تتوقف، العبارة تزداد في الترنح، وصرخات الجميع لا تنقطع: «العبارة بتغرق يا قبطان.. العبارة بتغرق».
أثناء حديثه، يتغير لون وجهه إلى الأصفر القاتم، ينظر إلى الأرض، يسرح بخياله، يتذكر مشاهد الغرق، لحظة البحث عن النجاة والهروب من الموت، مشاهد مر عليها 15 عامًا بأكلمهم، يحكيها بنبرة صوت بطيئة، وبجمل متقطعة، تتغرغر معها عيناه: «وقتها كان قدامك خيارين تموت بيهم، يا تستني في العبارة والمركب ينفجر وتموت محروق، يا تنط في البحر، ووقتها أسماك القرش كانت مستنيانا وتتاكل، وأنا واقف في العبارة مش عارف أعمل إيه، لقيت الطاقم مجهز قارب نجاة، قلت لهم خدوني معاكم، بصوا لبعض، وقتها عرفت إني يا هغرق يا هيغرقوني».
القفز في الماء.. والعناية الإلهية
لم يجد «رمضان» مفرًا سوى تجربة حظه في القفز في الماء، ولحسن حظه وبتدبير من الله، لم تقترب منه أسماك القرش نهائيًا، ربما امتلأت بطونهم من لحوم البشر الذين قفزوا قبله، وبعد قفزه بدقائق، انفجرت العبارة: «العبارة انفجرت بالناس اللي كانوا لسه موجودين عليها، ببص لقيت كومة شعر بني آدم في وشي، مسكته لقيت رقبة ست، وجنبي رجل شخص، ونص جسم، وأعضاء من الناس اللي كانوا في العبارة وانفجرت بهم».
مشهد لن يسناه «رمضان»
أحد المشاهد التي لن ينساها «رمضان» طوال حياته، هو لطفل صغير تحمله والدته على قطعة خشبية صغيرة، يبكي ويستغيث «تعبت يا ماما»، بعدها بيوم غرق الطفل أمام أعين والدته، ولحقت والدته بفلذة كبدها بعدها في اليوم التالي.
لم يذق «رمضان» طعم النوم نهائيًا طوال الأيام التي قضاها في البحر، تحاول عيناه أن تغلق نفسها، لكن يوقظها بقوة الخوف من الغرق، طوال الساعات، لم يظهر أي سمك قرش، انكمش جسده من الماء، يلوح بيده طول النهار، طالبًا النجدة، يصرخ ويستغيث، دون جدوى، لا منقذ، ولا أحد، وصوته لا يسمعه بشر: «بالليل لو حطيت إيدي قدام عيني مش هشوفها من الظلام، أنا مكنتش بفكر غير في الموت، أنا في الموت نفسه، كان كل همي إن جثتي ترجع لأهلي واتدفن».
النجاة من السماء
صوت طائرة تحلق فوق الرجل، ينظر إليها مبتسمًا، ربما استجاب الله لدعائه، يحاول التأكد من ما يراه ويسمعه، يحاول أن يلوح بيده بصعوبة، نخرت قواه لدرجة عدم قدرته على رفع يده، يصرخ ويخرج صوته ضعيفًا من شدة الهزل، يحكي: «الطائرة اقتربت مني وحدفولي سلم، طلعت عليه، كانت طائرة سعودية، ودوني مستشفى سعودي وبلغوا السلطات المصرية، ورجعوني بلدي بعد أيام، جلدي كان ناشف، حطوني في مية سخنة ومطهرات».