دكتور مصطفى مدبولى..

كنت من أشد المعجبين والمؤيدين لأداء المهندس شريف إسماعيل وقت توليه رئاسة مجلس الوزراء، تابعت عن قرب أداء هذا الرجل الوطنى الذى أدار السلطة التنفيذية فى مرحلة بالغة الصعوبة أسميها (الميلاد الصعب للدولة الحديثة)، وكنت من المشفقين على هذا الرجل الذى أفاض بعطائه وجهده الذى لم يوقفه عنه أى شىء حتى حينما هاجمه المرض، وقد لا يعلم البعض أن المهندس شريف إسماعيل وهو فى شدة المرض لم يكن يغادر مكتبه قبل منتصف الليل ليعود إليه مع شروق الشمس.. وحينما غادر المهندس شريف إسماعيل سعدت كثيراً باختيار الرئيس لشخص الدكتور مصطفى مدبولى ليكمل المسيرة بعد المهندس شريف إسماعيل، هذا القرار الذى أراه يعكس عبقرية وذكاء متخذه وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورغم أن البعض كان يرى أهمية اختيار رئيس وزراء ذى خلفية اقتصادية، فإن الدكتور مصطفى مدبولى بعد فترة قصيرة من العمل والإنجاز والوجود الميدانى نجح فى أن يقنع الجميع حتى معارضيه بأدائه وبصحة اختياره لهذا المنصب..

قد تكون الخلفية العلمية والمهنية للدكتور مدبولى وعمله التخصصى بمجال التخطيط العمرانى والإسكان وتاريخه كاستشارى وخبير دولى للعديد من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولى، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية «الهابيتات»، والبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة التعاون الفنى الكورية لوضع سياسات الإسكان والتخطيط والتنمية العمرانية، وتأهيل وتدريب الكوادر الفنية للعديد من الدول العربية والأفريقية: العراق - اليمن - الأردن - سوريا - ليبيا - السودان - فلسطين - نيجيريا، بالإضافة إلى مصر، خلال الفترة من ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٨، أكسبته العديد من الخبرات فى مجال التخطيط والتنمية، ولكن بعد شهور قليلة من توليه المسئولية أثبت للجميع قدراته الإدارية المتمثلة فى تطبيق مبادئ (الإدارة بالأهداف)، ففى تقديرى أن الدكتور مدبولى يرتب أجندته ومواضيعه بجدولها الزمنى وفقاً للأهداف المراد تحقيقها، ويضع آليات وأدوات واضحة لتنفيذ تلك الأهداف فى إطار تعظيم الاستفادة من كل جنيه متاح بميزانية الدول، وكذلك تعظيم الاستفادة بما هو أهم من الفلوس وهو الموارد البشرية والكوادر المدربة المؤهلة للمشارك فى الإدارة بمختلف الوزارات..

معرفة قصة كفاح الدكتور مصطفى مدبولى مهمة لكل شاب لديه الطموح فى أن يكون فى أعلى مناصب الدولة، وأنه بالعمل والاجتهاد والتسلح بالعلم (وليس الفهلوة) ستصل إلى ما تريد..

فمصطفى مدبولى تخرج فى كلية الهندسة جامعة القاهرة عام ١٩٨٨ والتحق بالعمل فى إحدى شركات القطاع الخاص، متقاضياً وقتها راتباً لم يزيد على ١٨٠ جنيهاً، ويعتبر أحد أبناء الطبقة المتوسطة، ولم يكن يوماً من أبناء العائلات الثرية، ولم تكن الحياة بالنسبة له سهلة كرجل يدرس للحصول على الدكتوراه ويعمل فى القطاع الخاص، ومن ثم مر بأوقات عصيبة ولحظات إحباط، ولولا وجود عائلته وأسرته الصغيرة بجواره ودعم والديه المعنوى له، لما استطاع مواصلة العمل والاجتهاد، ولا حقق إنجازات عملية ولا علمية فى حياته، وأعتقد أنه وقت تخرجه فى جامعة القاهرة عام ١٩٨٨، لو قال له أحد وقتها إنه سيعود إلى نفس الجامعة بعد ثلاثين عاماً ليلقى كلمة فى منتدى الشباب، الذى استضافته الجامعة نفسها قبل شهور، ليتحدث للحضور بوصفه رئيس وزراء مصر، لقال له وقتها إنه حلم بعيد المنال..

ولكن وبفضل هذا الاجتهاد، استطاع بعد سنوات من تخرجه أن يحصل على درجة الدكتوراه فى تخطيط المدن عام ١٩٩٧، ثم التحق بالعمل فى وزارة الإسكان فى سبتمبر ٢٠٠٩ بتولى منصب رئيس مجلس إدارة هيئة تنمية المشروعات بالوزارة، وتدرج بعدها فى المناصب حتى ترأس هيئة التخطيط العمرانى.

ومع تولى جماعة الإخوان مقاليد الحكم، غادر وزارة الإسكان ليشغل منصب المدير الإقليمى للدول العربية ضمن برنامج الأمم المتحدة الخاص بالمستوطنات البشرية حتى عام ٢٠١٤..

هذا قليل من كثير من سيرة وتاريخ هذا الرجل الذى أرى أنه أثبت للمصريين صدقه وعمله ووطنيته وقدرته كرئيس وزراء على مواكبة هذه السرعة الشديدة لأداء رئيس دولة جاء لهذا الوطن منقذاً ومخلصاً له من جماعة كادت تخطفه ليبدأ بعدها مسيرة بالغة السرعة لبناء الدولة المصرية الحديثة التى يستحقها هذا الوطن ويتوق إليها هذا الشعب..