الحبيب الجفرى: لا توجد «حرية تعبير» مطلقة.. ولكل مجتمع خطوط حمراء

كتب: محررو «الوطن»

الحبيب الجفرى: لا توجد «حرية تعبير» مطلقة.. ولكل مجتمع خطوط حمراء

الحبيب الجفرى: لا توجد «حرية تعبير» مطلقة.. ولكل مجتمع خطوط حمراء

- خيرى رمضان: أهلاً وسهلاً وحلقة جديدة من «لحظة سكون». على مدار حلقات كثيرة تحدثنا عن الملحد وأفكار الملحد. فى هذه الحلقة نتحدث عن كيف يتعامل المجتمع والدولة مع الملحد، ما العلاقة بين الطرفين، كيف ينظر هو إلى الدولة والمجتمع، وهل هو راضٍ عن طريقة التعامل أم لا؟ هذا هو موضوع حلقة اليوم، دعونى أولاً أرحب بسيدى الحبيب على الجفرى، أهلاً وسهلاً سيدى. - الحبيب على: حياكم الله وبارك فيكم. - خيرى رمضان: اسمح لى فى هذه الحلقة أن نبدأ مباشرة لأن لدينا وجهتى نظر، فلنر ماذا يقول صديقنا إبراهيم عن طريقة التعامل مع الملحد.. نلتقى بعد التقرير. - إبراهيم: تركت الإسلام منذ ستة شهور، لأنى كنت متديناً جداً وأبويا وأمى سلفيان، وكنت بصلى وأصوم وحافظ قرآن، وفى أزهر لثالثة إعدادى. ماكنتش بتفرج على كرتون عشان كان فى رسوم بنات متبرجات وكده، وكانت الأغانى بالنسبة لى حرام، وعايش فى كبت لازم أحفظ القرآن وأصلى وأصوم وكل حاجة ممتعة حرام، كنت كاره الإسلام جداً بس كنت لازم أعترف إن دا الإسلام عشان بيقولوا هاخش النار وكده وإن دا الدين الصح ومش عارف إيه. عشان تبقى ملحد أساساً لازم لك قدر من الشجاعة إنك تكسر حاجز الخوف إللى جواك. حطوا فيك من صغرك إن الدين هو النار والعذاب والحاجات دى لازم تكسرها، يعنى كفاية إن هو كسر الخوف إللى جواك، وكمان حريته عايز يعمل كده. تعرضت لإصابة مؤخراً، كنت خارج من المدرسة أتلم علىّ اتنين قالوا لى بنسمع إنك مش مسلم. قلتله لا أنا مسلم بس إنت مالك أنا مش ضارك فى حاجة. فقالى لا إنت كافر لازم تشوفلك بلد تانية ومش عارف إيه. ورفع عليا السلاح الأبيض، وطبعاً كان معايا أصحابى وبرضو مسلمين بس هما دافعوا عنى بس اترفع عليهم السلاح وأنا اتصبت فى صدرى. - خيرى رمضان: استمعنا إلى إبراهيم اللى حكى مراحل مختلفة، سيدى من أين نبدأ؟ - الحبيب على: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأفاض على قلوبنا من أنوار هديه ورحمته ما نرتقى به إلى الفهم عنه وحسن التعامل. «إبراهيم» بدأ مشكلته منذ نشأته فى البيت، ويقول إنه فى أسرة عندها تدين، وهذا التدين نزع إلى شىء من الغلو الذى نهى عنه النبى صلى الله عليه وآله وسلم، إلى نوع من التنطع بحسن نية، وصل إلى درجة منع الولد من أن يشاهد أفلام الكرتون لوجود فتيات متبرجات فيه، فبدأ ينشأ عند الشاب إبراهيم منذ صغره أن التدين مقترن بالحرمان. - خيرى رمضان: كل حاجة ممتعة حرام. - الحبيب على: بالضبط قال هذا.. كل شىء ممتع حرام، فبدأ يرسخ نفسياً فى داخله أن الدين ضد الراحة والفرح والسرور والمتعة، فبدأ شىء من التراكم عنده، أُضيف إلى ذلك أن ما يمكن أن نتصوره من حالة تعاملات فى داخل بيت الطفل يمنع فيه من الكرتون لأن الفتاة التى فيه ليست محجبة، لك أن تقيس أنواع التعاملات الأخرى، كيف يُطلب منه أن يصلى، كيف؟ ولهذا قال: أنا كرهت الدين. لكن التساؤلات التى فى داخل الإنسان الفكرية لاسيما إذا كان المجتمع أو البيت قد تسبب فيها لا تكون حماية الإنسان من أن يشطح بسببها من خلال التهديد بالنار، بل فتح الباب له فى نطاق الأسرة أن يخرج ما عنده ويُعالج ما عنده، لكن واضح جداً هنا أن بداية المشكلة نفسية.. وردة فعل فالمشكلة هنا لن تبدأ فكريةً وهذا غالب من جالست من الشباب الذين أبحروا بعد ذلك فى الفكر والفلسفة، بداية المسألة عاطفة، ثم ردة فعل عاطفة، ولهذا كنا نقول إن بعضهم يقولون لماذا تذكرون العاطفة فى الخطاب وأنتم لا تأتون بالعقل؟، ونقول نأتى بالعقل والعاطفة لأنها مكونات الإنسان، ذهابه إلى الإلحاد بدأ بعاطفة. - خيرى رمضان: وصلنا إلى أنا ملحد، الإسلام غلط. - الحبيب على: نعم.. هذا مصداق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن منكم منفرين.. ما معنى منفرين؟ يجعلون الناس ينفرون.. وإبراهيم تعرض إلى لحظة انفجار كان فقط يؤخره عن الانفجار خوفاً أنى لو تركت الدين سيكون خالد فى النار، فكان يصبر ويصبر ويصبر حتى لا يدخل النار. لكن بلغ الغضب فى داخله، والكبت يولد الانفجار.. انفجر، فكسر الحاجز وبدأ بعد ذلك يبرر كسر الحاجز ما هو التبرير؟ يقول أنا لم أكن مقتنعاً بالإسلام، أُلحد ثم بعد ذلك أنا أبحث، مع أنى كنت أرجو من أخى إبراهيم وليقبلها منى بمحبة، أن يقول أنا متوقف سأبحث، سأبحث خارج الإطار الذى نفرنى، لكن اختيارك هذا راجع إليك، ولا إكراه فى الدين، وإن شاء الله تبحث وأنا أعجبنى أن فى آخر التقرير قلت لو ثبت لى أن الإسلام أو غيره من الدين حق سأتبعه لأنى كسرت الحاجز فلن أكون مقيداً ولو بالإلحاد، هذا شىء راق بارك الله فيك. - خيرى رمضان: إذا كتب على الفيس بوك أو تويتر أنا ملحد.. هل هذا يعتبر مجاهرة أو صِداماً مع المجتمع؟ - الحبيب على: هذا السؤال مهم، لكن فرق بين أن يكتب أنا ملحد وبين أن يكتب كلاماً فيه استهزاء بالله وبرسوله أو تطاول على الله وعلى رسوله وعلى القرآن. هنا خرجت من حقك أنت فى أن يكون لك رأى، إلى الاعتداء على مقدسات غيرك. هناك فرق بين أن يشرح الإنسان أسبابه ومقدماته، وبين أن يتحول إلى مهتم بأن يُخرج الناس من دينهم. واحد خلاص قرر أنه يُلحد. هذا قرارك. ما الحاجة إلى أن تتحول إلى أن تدعو فى الفيس بوك وغيره إلى الإلحاد؟!.. حتى قبل أن تستكمل بحثك العلمى. أخذت واحدة من هنا وواحدة من هنا. أنت بهذا الذى تعمله لا تُمارس حرية التعبير التى تتوهم أنها مطلقة وهذا خطأ كبير يعنى فى لحظة سكون فكروا لا يوجد فى العالم كله شىء اسمه حرية تعبير مُطلقة، لكل دولة ولكل مجتمع ولكل ثقافة خطوط حمراء فى حُرية التعبير، ولكل بلد ضوابط تتعلق بالقانون. - خيرى رمضان: فى هذا الإطار، لما ييجى أحد أصدقائى ويكتب هاشتاج «لهذا أكره محمد»، أليس هذا استفزازاً لمشاعرى، ألا يعرضه هذا لغضب البعض، أنا هاغضب بس قد يحول البعض غضبه إلى اعتداء زى اللى إحنا شُفناه؟ - الحبيب على: أولاً هو اعتدى ومن الخطأ أننا نعتبر ثقافة غيرنا فرضاً على ثقافتنا وفى بعض الدول الغربية إذا تعديت باللفظ فى الكلام بالفكرى أو اللفظى لا يصل إلى درجة أن يُقارن بالشىء الجسدى يعنى الاعتداء على الجسد أشد من الاعتداء على المعنى، نحن فى ثقافتنا المعانى أعظم من الجسد، فالاعتداء على المعنى عندنا أكبر من الاعتداء على الجسد. ونحن عندنا الله ورسوله أحب إلينا من أنفسنا ومن أهلينا ومن آبائنا وأمهاتنا وذرياتنا فكيف تتوقع أن تكون ردة فعل الناس؟ - خيرى رمضان: أهلاً وسهلاً بحضراتكم مرة أخرى ولحظة سكون.. سيدى الحبيب على الجفرى، شفنا ردود الناس ونظرتهم للملحدين، ما بين الرأى بالإعدام والحبس، ولم نسمع كلاماً عن الحوار معهم إلا قليلاً.. وهكذا يتصور الناس والمجتمع طريقة التعامل معهم. - الحبيب على: أولاً الشخص الذى أوصله اجتهاده وفكره إلى هذا الخيار لا ينبغى التعدى عليه، وليس من حق أحد أن يتعدى عليه. ماذا تريدون منا؟ تريدون منا أن نقمعهم فيتظاهرون بالإسلام وهم غير مسلمين فنوسع دائرة النفاق فى مجتمعنا؟!.. هذا الكلام غير مقبول، ومن حق الإنسان الذى اختار اختياراً أن يأخذه وهو مسئول عنه أمام الله.[FirstQuote] أنا سأعتبر أمامى تقريراً إذا صح هذا الكلام إشكالية فى المجتمع وإشكالية فى بعض مؤسسات الدولة فى الوعى عند بعض القائمين عليها. جميل أن يكون عندك غيرة على دينك، ضابط أو عسكرى أو مساعد. يجلس معه ويُقال له أنت فى قرية لا تحتمل هذا الذى تفعله. هذا اختيارك أنت على ما أنت عليه. أما الذى اعتدى عليك فنستدعيهم ونحرر محضراً ضدهم وإذا كرروا هذا الاعتداء سنحاسبهم لكن أنت أيضاً لا تستفز الناس، لكن أن يشعر الشاب أنه مجرد أن ألحد أُهدر كل حق له فى آدميته هذا غير مقبول. النقطة الثانية، أن الشباب الذين مالوا إلى الإلحاد عندهم تصور أن حرية التعبير معناها أن أقول ما أشاء على من أشاء كما أشاء، هذا غير صحيح، وفرق بين أن تعبر عن رأيك فيما يتعلق بفكر تتكلم عنه وبين أن تتعدى على الآخرين كما يقول المعاصرون «أنت حر ما لم تضر» وقلنا حتى الدنمارك وبريطانيا وفرنسا لها حدود، وكل بلد لها حدود حتى الولايات المتحدة، يعنى رمز الحرية فى الدستور هناك فقرة أنه لا يسمح بالأمور التى تُثير الكراهية. إذن لكلٍ اختياره، لا تقول لى أنا أستورد خياراتهم لثقافة مجتمعى ثقافة مجتمعنا أيضاً بحرية التعبير عن الرأى لن يُقبل فيها أبداً أن يُتطاول على الله، أو أن يُشتم الرسول، هذا لا يمكن أن يقبله أحد. ونحن نرفض مسألة التعديات، لكن فى مسألة مقدار الألم الذى شعر به هذا، قلنا قبل الفاصل لو أحد شتم والدة إنسان فى عرضها أو هتك عرضها لو إنسان هُتك عرضه كيف يتصرف؟! هذا أشد من هذا الأمر كله. والأصل أن لا شىء إلا بالقانون، ونثق أن الجهات المعنية فى الدولة ستتعامل مع هذا الأمر وترفضه، فى نفس الوقت، مع رفضنا أن يتعدى عليه إن حصل من أحد وفقد صوابه وتعدى عليه، لا يكون كل الخطأ عند الذى فقد صوابه، يعنى الاثنين شريكين فى الجريمة أنا هنا لا أبيح التعدى عليه. لا أقول ينبغى أن يتعدى عليه أو أن يُقتل والدولة ينبغى أن تتخذ قراراً قانونياً وتحاكمه وتحاسبه. - خيرى رمضان: سيدى أنا باشكرك جداً، باشكركم دى كانت نهاية حلقتنا النهارده، غداً حلقة جديدة من لحظة سكون.. فإلى اللقاء.