شركات الاتصالات.. ميدو مشاكل
لا أكاد أفهم سلوك كثير من الشركات الكبرى فى مصر.. فلنكن أكثر تحديداً: شركات الاتصالات.
الشركة الأولى فى حديثنا اليوم (ولن أسميها وستعرفها أنت دون عناء يُذكر) تتعرض لهجوم عنيف منذ شهور، فشبكاتها سيئة التغطية إلى حد بات شائعاً ولا يقتصر على نطاق جغرافى بعينه، ولا ينحصر فى وقت من أوقات اليوم أو الأسبوع أو الشهر.. شبكة سيئة بصورة دائمة.
شن المستخدمون هجوماً عنيفاً ضد الشبكة على مواقع التواصل الاجتماعى، وأطلقوا الهاشتاجات، وسردوا الحكايات، وقصوا الوقائع وفعلوا كل شىء. أسابيع متتالية من الشكوى، والشركة إياها لا تحسّن من خدماتها، ولا ترد على الجمهور بتوضيح أسباب تدنى مستوى التغطية، ولا توضح خطة التعافى من هذه الأزمة التقنية العاصفة، ولا موعد انتهائها المرجّح.
لم تفكر الشركة أيضاً فى احتواء الغضب بتوفير خصومات أو تقديم عروض تعويضية لمستخدميها المتضررين، والمقدَّرين بملايين مهولة. لم تفكر حتى فى الاعتذار.. مجرد الاعتذار، وكأن كل هؤلاء الغاضبين يتحدثون مع أنفسهم ولا كيان هناك لتتم مساءلته!
نحن إزاء حالة من العجرفة والنكران الممزوجة بالعجز فى التعاطى مع حالة الشكوى والانتقاد.. وانعدام حيلة مطلق فى إدارة الأزمة.. أى أزمة. أضف إلى هذا أن هناك مشورات فاسدة تنصح هذه الشركات بأن التعاطى مع المشكلة ومع الرأى عام بجدية يُعد بمثابة اعتراف بالمشكلة! وكأن المشكلة ليست أزمة متفجرة منذ شهور، وكأن الجماهير الغاضبة تنتظر اعترافاً بأزمة قد ثارت هى عليها بالفعل قبل شهور وتعانى منها يومياً.
كم من شركة مصرية كبرى تعرضت لانتقادات هائلة على مدار السنوات القليلة الماضية بسبب منتج أو إعلان أو أزمة.. ثم لاذت بالصمت والخرس وكأن لا شىء هناك.
الأطفال حين يعجزهم الأمر الواقع يصمون آذانهم وكأن فى صم الآذان إلغاء للمشكلة من الوجود.
سوء الإدارة الفادح للمشكلات يتخطى قرارات مجالس إدارة هذه الشركات، ويتسرب للموظفين فى المستويات الأقل، فيتصرف ممثلو خدمة العملاء بذات النكران والتنصل والصلافة التى يلوذ بها الكبار.. فما من أحد قد صك مثالاً يُحتذى، وما من خطة قد اعتُمدت لاحتواء العاصفة.
الشركة الثانية فى حديثنا اليوم أسوأ بمراحل كثيرة.. تتذيل قائمة الأسوأ حتى لتكاد تصبح فانتازيا فى حد ذاتها.. فالجماهير تشكو منها ربما منذ نشأتها، وتسخر منها، وتملأ الإنترنت بالنكات عليها، بل وتتعرض لها الدراما التليفزيونية بالإضحاك بوصفها مأساة من مآسى المصريين اليومية، فالجميع يشكو منها ومن خدمات الاتصالات والإنترنت التى تقدمها.. ومع ذلك لم تتخذ أى خطوة تُذكر منذ نحو عشر سنوات!
لا بيان توضيحى.. ولا إعلان ذكى.. ولا مؤتمر صحفى ولا أى شىء مطلقاً.
قدرة مدهشة على التعايش مع الأزمة دائمة الانعقاد.. فى ظل إنفاق عشرات الملايين من الجنيهات على الإعلانات.. دون إنفاق القدر الكافى من الأموال لحل الأزمة.. أو دون إيلاء عُشر ميزانية الإعلانات لصالح مسائل الشرح والتوضيح للجماهير المغتاظة.
بل كلما كانت البهرجة الإعلانية أكثر تكلفة زاد غضب الجماهير التى تتمنى إنفاق أى شىء فى سبيل احتواء تردى الخدمة.
الشركة الثالثة.. مدهشة فى مشكلاتها، فهى تتعامل مع القطاع الأبسط والأرق حالاً والأقل تعليماً من المصريين، لا سيما أهالينا فى القرى والأرياف (على حد ملاحظتى).. ومع ذلك لا تتورع عن نهب أموالهم تحت زعم الاشتراك فى الكول تون الفلانى أو الخدمة العلانية.. دون رغبة من ناحية العميل.
وإذا اتصل بهم أهلونا من البسطاء أغرقوهم بالتفاصيل والمصطلحات دون حل للمشكلة التى يعانون منها.. حتى عرفت أن قريبة لى تتاخم الثمانين من العمر أوشكت على البكاء لعجزها عن حل مشكلة «نهب» الرصيد التى تتم بصورة منظمة.
وإذا كانت هذه الشركات خاضعة للمساءلة على مستويات بعينها من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، فإن الشكوى تجاوزت حدود الإشكالات التقنية ومسائل التسعير والمنافسة لما هو أبعد من ذلك بكثير.
هذه الشركات خطر على نفسها وعلى أمن البلاد، بما تصنعه من نقمة وغضب.. وبما تجسده من نهب علنى لا يراعى أحداً ولا يتوقف عند أى اعتبار من اعتبارات الأمانة أو الاحتراف أو المصداقية.
ربما هذه الشركات بحاجة لتدخل رقابى أكبر ولتحركات قانونية من قبَل الدولة نفسها، لأنه لم يعد هناك سبيل للتفاوض ولا الإصلاح.