أنجيلا ميركل في جامعة القاهرة

فى نهاية الحلقة الأخيرة من برنامجه «علم السياسة»، التى جاءت تحت عنوان «الدكتورة أنجيلا ميركل تغادر: الجرسونة التى جعلت أخاها خادماً وتزوجت مشرف الدكتوراه»، والمنشورة على موقع التواصل الاجتماعى «يوتيوب» يوم الجمعة الموافق الثانى والعشرين من يناير 2021م، حث الكاتب الكبير الأستاذ أحمد المسلمانى جامعة القاهرة على توجيه الدعوة إلى أنجيلا ميركل، لإلقاء محاضرة فى جامعة القاهرة، مثل المحاضرة التى ألقاها أوباما فى جامعة القاهرة، على أن يتم تحديد موعد المحاضرة بعد أن تترك منصبها وبعد أن تضع جائحة كورونا أوزارها، كما دعا الجامعة المصرية الأم إلى منح الدكتوراه الفخرية للزعيمة الألمانية، مؤكداً أنها حصلت على أكثر من عشر درجات دكتوراه فخرية، منها دكتوراه من الجامعة العبرية.

وكما أشار الأستاذ أحمد المسلمانى، فقد سبق لجامعة القاهرة أن استضافت الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما» فى بداية حكمه، حيث تحدث إلى العالم الإسلامى من منصة قاعة المؤتمرات فى جامعة القاهرة العريقة. ولكن لم يتم منح باراك أوباما الدكتوراه الفخرية، ولا ندرى إذا كان قد تم التفكير فى ذلك أم لا. وإذا كان قد تم التفكير فى هذا الأمر، فما هى الظروف التى حالت دون القيام به؟ ربما يستحسن البعض عدم حدوث ذلك، نظراً للدور الذى قام به الرئيس الأمريكى الأسبق فى دعم ما أطلق عليه «ثورات الربيع العربى» والدور السلبى فى الأزمة الليبية ودعم جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر وتونس والجماعات المتطرفة فى ليبيا وسوريا، فضلاً عن توقيع الاتفاق النووى مع إيران دون مراعاة هواجس الدول العربية ولاسيما دول الجوار فى الخليج العربى. وبغض النظر عن الموقف من سياسات باراك أوباما، نعتقد أنه من المناسب توثيق الأحداث التاريخية، وذلك من خلال شهادات الأشخاص الذين كان لهم دور فى ترتيب وتنظيم حدث استضافة باراك أوباما فى جامعة القاهرة والشخصيات الفاعلة فى وزارة الخارجية المصرية آنذاك، فضلاً عن قيادات الجامعة فى هذا التوقيت.

وعلى كل حال، وبالاطلاع على سجل الشخصيات التى حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عبر تاريخها الطويل، نجد أن عددهم قد بلغ (89) شخصية فقط، وهو عدد قليل جداً، بالمقارنة بغيرها من الجامعات النظيرة على مستوى العالم. وأول الحاصلين على الدكتوراه الفخرية هو الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية «تيودور روزفلت»، الذى شغل هذا المنصب لفترتين متتاليتين فى الفترة من 1901 إلى 1909م، وقد حصل على الدكتوراه الفخرية فى العام التالى مباشرة لتركه مهام منصبه، وكان ذلك فى الثامن من مارس عام 1910م. أما آخر الحاصلين على الدكتوراه الفخرية فهو الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وكان ذلك فى شهر أبريل 2016م. ومن العدد الإجمالى للحاصلين على الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، يبلغ عدد المصريين أحد عشر شخصاً فقط، والبقية من الأجانب، وعددهم (78) شخصاً، منهم ثمانية من الجنسيات العربية وستة من أفريقيا السوداء أولهم الرئيس الغانى «كوامى نكروما» وآخرهم المناضل الأفريقى ورئيس جنوب أفريقيا الأسبق «نيلسون مانديلا». وتعتبر سنة 1928م أكثر السنوات التى تم فيها منح الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة، حيث حدث ذلك (18) مرة، تليها سنة 1950م وتم خلالها منح الدكتوراه الفخرية (15) مرة، ثم تأتى بعد ذلك سنة 1932م وتم فيها منح الدكتوراه الفخرية ثمانى مرات. أما أطول فترة انقطاع، لم يحدث خلالها منح الدكتوراه الفخرية، فكانت ثمانى عشرة سنة، وحدثت مرتين؛ أولاهما كانت خلال الفترة من 1910م إلى 1928م، والثانية خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وتحديداً خلال الفترة من 1990م إلى 2008م. وإذا كان مفهوماً فترة الانقطاع الأولى، حيث يمكن إرجاع ذلك إلى نشوب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ثم ثورة 1919 وما تبعها من أحداث انتهت بصدور دستور 1923م، فإن فترة الانقطاع الثانية تبدو عسيرة على الفهم والتبرير.

إن استضافة الشخصيات السياسية والعلمية الأجنبية ومنحها الدكتوراه الفخرية هى إحدى الوسائل التى يمكن من خلالها تعزيز سمعة جامعة القاهرة على مستوى العالم، ويمكن من خلالها أيضاً أن تلعب الجامعة العريقة دوراً فى خدمة السياسة الخارجية، بشرط أن يحدث ذلك فى إطار استراتيجية عامة متناغمة ومتسقة مع توجهات الحكومة المصرية، وبعد التشاور والتنسيق مع القيادة السياسية. وفيما يتعلق بكلية الحقوق على وجه الخصوص، يلاحظ أن العديد من زعماء العالم العربى والأجنبى هم من الحاصلين على دراسات فى القانون، نذكر منهم الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» والرئيس الصينى «شى جين بينج» والعاهل المغربى «محمد السادس» والرئيس الفرنسى السابق «فرانسوا أولاند». والمأمول هو أن تقوم كلية الحقوق جامعة القاهرة بدعوة أحدهم أو بعضهم للحديث عن «تأثير دراسته للقانون على قرارته وتصوراته وسياساته».. والله من وراء القصد.