أنجيلا ميركل ونجاح ألمانيا
وقفت تحت قبة البوندستاج الألمانى يوم 10 ديسمبر 2020 تتحدث إلى جموع النواب، تكاد تبكى لإقناعهم بما تم اتخاذه من قرارات للحد من انتشار كوفيد 19 بين الألمان، توسلت لهم أن يتبعوا التعليمات ويلتزموا بها، قالت بلهجة تحمل خوف الأمومة إنها تأسف لمنع أسواق الكريسماس واحتفالاته، ولكن إن كان ذلك سيمنع وفاة 590 شخصاً يومياً فستحسم أمرها.
هكذا اعتادت أنجى كما يسميها الألمان منذ انتخابهم لها كأول مستشارة لهم 2005، لا تعنيها سوى مصلحة ألمانيا وشعبها، حتى لو لم تكسب إلا المعارضة. يطمئنون لمظهرها الباسم الهادئ ويديها الممسكتين ببعضهما فى حالة من السكينة.
لم تخذلهم يوماً منذ توليها المنصب طوال 16 عاماً، لتمنحها «فوربس» على مدار 13 سنة لقب أقوى امرأة فى العالم.
«دعونى أقل لكم شيئاً شخصياً فى الختام، بعد تسعة أشهر ستُجرى انتخابات برلمانية، ولن أترشح مرة أخرى، ومن ثم فإن اليوم فى جميع الحالات سيكون آخر مرة ألقى عليكم فيها كلمة بمناسبة العام الجديد». هكذا تحدّثت للألمان مساء 31 ديسمبر الماضى، مذكرة إياهم بصعوبة عام 2020، فى ظل فيروس كورونا الذى أودى وفقاً للأرقام بحياة 46 ألف ألمانى.
إلا أن كورونا لم تكن الأزمة الوحيدة التى واجهت أنجى على مدار سنوات قيادتها للألمان، واجهت الأزمة الاقتصادية العالمية فى 2008 وأقرت وصفة تقشفية لدول اليورو لمنع إفلاس دول مثل قبرص وإسبانيا والبرتغال واليونان التى تحمّلت دعمها ببعض القروض، رغم ما أثاره ذلك من انتقادات داخل ألمانيا من معارضيها، لتعلن أن سقوط دولة من دول الاتحاد الأوروبى يعنى سقوط المجموع. وأعلنت سياسة الباب المفتوح عام 2015، لاحتواء مليون ونصف المليون لاجئ فى بلادها، رغم اعتراض اليمين المتطرف.
ونجحت فى تقليل نسبة البطالة فى ألمانيا من 12.9% إلى 4.9%، وحوّلت عجز الميزانية عند تقلدها منصبها، وكان يبلغ 3.5% إلى فائض بقيمة 3% فى غضون سنوات.
واستبدلت 85% من طاقة ألمانيا بطاقة نظيفة، وسارعت بعقد اجتماع مع فرنسا فور الإعلان عن نتيجة الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى «بريكسيت» فى 2016، لتمنع تساقط قطع الدومينو وانتقال عدوى الانفصال إلى دول أخرى، معلنة فى لحظتها أنها لن تسمح بانهيار الاتحاد الذى هو قوة بقاء أوروبا.
وهى من جعلت ألمانيا قاطرة اقتصاد أوروبا بناتج يتجاوز 5 تريليونات دولار. ما سبق لا يحمل إلا إنجازات حقّقتها تلك الزعيمة، حتى لو تقاطعت مصالحنا فى بعض الأحيان معها، حديثى عن إصرارها على تحقيق مصالح بلادها، ومن منا لا ينحنى للباحثين عن مصالح بلادهم رغم كل التحديات.
وحياة ميركل لم تكن أبداً سهلة على مدار 66 سنة هى عمرها فى تلك الحياة. فهى التى ولدت فى أسرة عمل الأب فيها قسيساً فى مجتمع رفض الإيمان فى الجزء الشرقى من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الحد الذى كان ينصحها أصدقاؤها بتكتم طبيعة عمل والدها منعاً للمشكلات! بينما كان عليها التفوق طوال الوقت لتستطيع إكمال مسيرتها التعليمية الجامعية، فكانت الأولى فى المدرسة حتى التحاقها بالجامعة فى ليبزيج 1973 لدراسة الفيزياء لتقول عن نفسها: «عملت نادلة فى حانة، وكنت أحصل على أجر يتراوح بين 20 و30 فينينج عن كل مشروب أبيعه، وهذا منحنى دخلاً إضافياً تراوح بين 20 و30 ماركاً فى الأسبوع.
وأسهم إلى حد كبير فى دفع الإيجار». واستمر بها الحال فى الكفاح حتى حصلت على الدكتوراه عام 1986 فى برلين الشرقية تحت إشراف البروفيسور يواكيم زاور الذى صار زوجها الثانى، كما يقول تقرير لموقع «دويتش فيله» الألمانى.
أما بداية انخراطها فى العمل السياسى فكان حينما شغلت منصب آخر متحدث باسم الحكومة فى ألمانيا الشرقية، قبل وحدة ألمانيا، وانضمامها للحزب الديمقراطى المسيحى، وتعيينها وزيرة للشباب والمرأة مع المستشار الألمانى هيلموت كول، الذى تلقبه بالأستاذ بالنسبة لها فى عالم السياسة، ثم توليها أمانة الحزب قبل ترؤسها لها وانتخابها لتصبح مستشارة ألمانيا 2005. لم تهلك ألمانيا بتولى ميركل، وفلح الألمان حينما أولوها ثقتهم.. فشكراً لزعيمة منحت العالم القدوة ومنحت بلادها القوة.