خطاب الإخوان وتجربة الفئران
أُجريت تجربة على عدد من الفئران لقياس العلاقة بين الحالة المعنوية والقدرة على مقاومة الهلاك، جاءوا بفأر ووضعوه فى الماء وأغلقوا عليه تماماً، فمات الفأر بعد ست عشرة دقيقة، ثم جاءوا بفأر آخر ووضعوه فى البيئة نفسها، ولكنهم مدّوا إليه طوق نجاة بين الحين والآخر، فظل حياً لمدة أربع ساعات ثم مات، الفأر الأول لم يكن لديه أى أمل، فخارت قواه سريعاً، واستسلم لهلاك سريع، أما الفأر الثانى فقد كان يملك أملاً جعله يستجمع طاقاته ليظل حياً أطول فترة ممكنة، صحيح أنه كان أملاً كاذباً، لكن القائمين على التجربة استطاعوا بهذا الأمل الكاذب رفع الحالة المعنوية للفأر ليبقى صامداً عدة ساعات، لكن النتيجة واحدة هى موت الفأر الأول والثانى.
الخطاب الإخوانى بات يركز على فكرة بث «الأمل الكاذب» فى نفوس أتباعه، بما يشبه الحقن المخدّرة، التى ينتهى مفعولها ويزول، ثم يلحق الخطاب الإخوانى أتباعه بحقنة أخرى تبث فيهم أمل القدرة على المقاومة مرة أخرى، من خلال استدعاء شعارات مثل: الانتصار قادم.. الانقلاب يترنح.. الجيش ينقسم.. الثورة قادمة.. الفوز حليفنا.. بايدن أملنا.. وهكذا، فلما يتبين كذب ادِّعاءٍ معين يأتون لمناصريهم بادعاء جديد، وإذا لم يجدوا شيئاً يبقون به على الأمل الكاذب بين أتباعهم تراهم يتتبعون سقطة الفنانة فلانة، أو الوزير الفلانى، وتصريح الإعلامى الفلانى، وفتوى الشيخ الفلانى، لعل هذه الأمور تمثل جانباً من جوانب التسلية أو الأمل، وهو خطاب يتّفق مع أمزجة الإخوان، بصرف النظر عن أثره ونتيجته وفائدته لقضيتهم.
ثمة أسباب مختلفة عند رصد جوانب الظاهرة، منها فى الجانب الآخر الأداء السيئ لبعض الوزارات، ومجلس النواب الماضى الذى لم يقم بتقديم استجواب واحد لوزير!! وصدور بيان من الحكومة بشأن تصفية «الحديد والصلب»، لكنه جاء متأخراً جداً بعد أن استغل الإخوان الموقف، مثل هذا ساعد فى إعطاء فرصة للخطاب الإخوانى ليعيش على هذه الثغرات.
الباحث الجاد الأستاذ عمرو عبدالحافظ كتب فى ظاهرة الأمل الكاذب فى كتابه المهم المخطوط (الخروج من سجن الإخوان)، ما يستحق أن يُسجَّل، فقال بعد ذكر تجربة الفأر: هذا الأمل الكاذب يصنعه الخطاب الإخوانى مرة بإيهام الأتباع أن ثمة مصالحة وشيكة ستُنهى المعاناة، ومرة بإيهامهم أن ثمة ثورة على الأبواب، شىء يشبه الحقن المخدّرة؛ حتى يقل شعور المريض بالألم، فإذا زال مفعولها حقنوه بالتى تليها فوراً، يزعمون أن خصمهم على وشْك السقوط، ثم يفيق الأنصار فيجدون أنفسهم تحت أقدام خصمهم، وهنا يأتى دور الحَقْنِ المتتابع، وكثيرون أدمنوا هذه الحقن المخدّرة، ولا يستطيعون الحياة من دونها، رغم إدراك بعضهم حقيقتها، ولكنه الإدمان اللعين.
والواقع أن الجماعة انهزمت تماماً، لكن هذه القناعة إذا وصلت إلى أنصارهم فسوف تنهدم من الداخل وتذوب وتفقد أى قدرة على البقاء، فالحل إذاً هو إيجاد أمل ولو كان كاذباً، حتى ترتفع الروح المعنوية للأفراد ويستطيعون التحمّل أطول فترة ممكنة، ويقِلّ شعور المريض بالألم، فإذا زال مفعولُ إحداها حقنوه بالتى تليها فوراً، فيتجدّد الأمل، وهنا يأتى دور الحقن المتتابع إلى ما لا نهاية.
إنها الثقة المفرطة بأن النصر حليفهم، مما يجعل أنصار الجماعة يندفعون فى صراعات تثبت الأيام فشلهم فيها، وتثبت أن وعود الإخوان لأتباعهم هى (جمل يتمخّض دائماً عن فأر هزيل)، والحل فى إعطاء الأتباع والمحبين الحقن المخدرة كل ليلة.