البرلمان الذى ننتظره!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

اكتملت السلطة التشريعية بجلسة الثلاثاء الماضى بعد إجراءات طويلة، بدأت بتعديلات دستورية وقانونية أدت إلى عودة مجلس الشيوخ لننتقل إلى برلمان الغرفتين واستمرت الإجراءات حتى صدور قانون الانتخابات للمجلسين وطريقة وشكل ونسبة القوائم إلى الفردى ثم إجراء انتخابات الشيوخ بمراحلها وإعادتها ثم اختيار المعينين وهو الأمر نفسه الذى جرى مع النواب وانتهى باختيار رئيسه ووكيله مروراً أيضاً باختيار المعينين!

كل ما سبق لبناء السلطة التشريعية سبقه إجراءات متسارعة جداً لإعادة بناء السلطتين الأخريين.. التنفيذية بإعادة بناء جهاز وقوات وإدارات الشرطة المصرية وتوفير كافة الإمكانيات لها ليس فقط من معدات وأجهزة فقط، وإنما بتوفير مناخ من الثقة فى أفرادها وعلاقتهم بالمواطن حتى عادت الشرطة أقوى مما كانت عليه قبل 2011 ولا يعنى وجود أى مخالفات من البعض أن ينصرف الأمر للهيئة كلها، لذا فإن إقرار مبدأ الثواب والعقاب لا يتوقف والأمثلة عديدة لا مجال لذكرها ترفع فيها وزارة الداخلية أنه لا تستّر على أحد ولا حماية لمخالف وتبقى الكتلة الكاسحة من أبنائها تؤدى واجبها على أفضل ما يكون!

وفى الوقت نفسه، أكملت القيادة بناء الجيش العظيم على أروع ما يكون تسليحاً وتدريباً حتى انتقل سريعاً والحمد لله للتواجد فى أى تصنيف عالمى.. من أهم عشرين جيشاً إلى أهم خمسة عشر جيشاً إلى أهم عشرة جيوش، فضلاً عن قدرات لا تتوقف على تهيئته لحماية حدود مصر إنما لمنحه القدرة على حماية مصالح مصر فى أى مكان تتواجد فيه!! والفرق طبعاً كبير جداً بين كلا التصورين للأمن القومى المصرى..الحدود والمصالح!

كذلك قدمت القيادة السياسية عبر إجراءات عديدة تطويراً هائلاً ساعدت السلطة القضائية على أداء مهامها.. من تطوير يليق بدور العدالة من المحاكم المصرية.. بلغ حد تأسيس مدينة كاملة للعدالة بالعاصمة الإدارية يضم مبانى للمحاكم كلها.. استئناف ونقض وإدارية ودستورية إلى معهد لتدريب رجال القضاء إلى ما نعرفه من تطور غير مسبوق فى دور وأفرع الشهر العقارى بدأ بالتطوير فى البنية التحتية إلى الميكنة والتعامل السريع لإنجاز مصالح المواطنين إلى تدريب الموظفين وزيادة مدة العمل وغيرها من إجراءات!

كل ما سبق لم يكن سهلاً وتم بتضحيات كبيرة ومعها أيضاً مخصصات وأموال كثيرة جداً والنتيجة اكتمال مؤسسات الدولة المصرية.. وكما أن للمواطن مطالب لدى السلطتين التنفيذية والقضائية تبدأ بدعم قواته المسلحة والشرطة المصرية فى مقدمة طلائع الشعب المصرى لمواجهة الإرهاب وطلائع الشر إلى إقرار الأمن فى الداخل إلى سرعة الفصل فى القضايا وتنفيذ الأحكام إلى سرعة الإنجاز فى مقرات الشهر العقارى ومكاتب المرور والجوازات.

ومصلحة الأحوال المدنية وغيرها من كافة المؤسسات التى تقدم خدمات جماهيرية وكلها شهدت تطوراً هائلاً انعكس على مصالح الناس ووقتهم ومجهودهم!

الآن.. يقف البرلمان المصرى أمام اختبار مهم.. مجلس جديد من ثلاثمائة عضو يمثلون واقعياً ثلاثمائة دائرة.. أى ثلاثمائة مدينة وقرية وتجمعات تجمع بين قرى ومدن لم يكن لها -تقريباً- من يمثلها قبل اليوم لتقلص مساحة التمثيل السياسى لاقتصاره على مجلس واحد وهو ما حذرنا منه عند إلغاء مجلس الشورى وقلنا الإلغاء ليس حلاً فى بلد لم يزل يمارس الانتخاب السياسى على أساس قبلى أو جهوى ويعانى نسبة أمية ليست قليلة.. الآن تم تصحيح الوضع وهو ما سيجعل أهالى هذه المناطق يتطلعون إلى خدمات إضافية أو حتى خدمات غير موجودة ويتطلعون أيضاً إلى اتصالهم بجهات الدولة العليا وأن يصل صوتهم فى العديد من القضايا إلى القيادة السياسية!

أما مجلس «النواب» الذى عاد إليه ثلث المجلس تقريباً وحدث إحلال وتجديد فى ثلثى الأعضاء، فالمسئولية هنا أكبر من الشيوخ حيث القدرة على التشريع.. فالنواب يعنى القدرة على التشريع.. وأمام المجلس تشريعات عديدة يتطلع إليها المصريون.. من تشريعات تتماس مع حياة الناس من السلم الوظيفى وعدد كبير من الإجراءات داخل الجهاز الإدارى للدولة المصرية ومنها المعاشات التى تشغل عدة ملايين من الأسر إلى تشريعات عن الأحوال الشخصية لم تحسم بعد أو على الأقل لم تحسم بالقدر المناسب الذى يقنع فئات المجتمع وطوائفه بأنهم أمام قانون عادل!

وكذلك قوانين تحتاج الحسم بعد البدء فى طرحها فعلياً دون إنجازها ومنها مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء وآخر لمشروع قانون تنظيم الفتوى العامة ومعهما مشروع قانون تنظيم الظهور الإعلامى لرجال الدين والذى أثار جدلاً واسعاً وكذلك مشروع قانون إنشاء نقابة للمأذونين والموثّقين ومشروع قانون إنشاء نقابة للإنشاد الدينى وأخيراً مشروع قانون إنشاء صندوق الوقف الخيرى.. ربما عطل هذه القوانين إصرار الحكومة على رؤيتها والنواب أو المؤسسات المعنية بآرائها وهو ما عطل إقرارها نهائياً لكن لا يعنى ذلك سقوطها من أولويات التشريع الذى أنجز ما يقترب من تسعمائة تشريع فى برلمان 2016 ولم ينجز كل تطلعات شعبنا!

ومع قوانين وتشريعات تخص الأمومة والطفولة وأخرى نوعية تخص فئات من المجتمع كقوانين جديدة تخص بعض المهن والنقابات كالذى نتطلع إليه لنقابة الصحفيين التى لم يتغير قانونها منذ أكثر من نصف قرن.. ومع ذلك كل ما سبق شىء.. وإحساس المواطن أن له ومعه نواباً يمثلونه تمثيلاً حقيقياً ويعبرون عنه أفضل تعبير هو المطلب الرئيسى من مجلس النواب الجديد.. الذى قد يتم بتطور دور نائب الخدمات الذى لا نتوقع انتهاء دوره تماماً نظراً للبيئة البيروقراطية المتجذرة فى المجتمع المصرى.. وإنما نأمل فى أن يكون قد تطور دوره فى إحقاق الحقوق وإعادتها لأصحابها وليس فى تسهيل الاستثناءات وتعميقها بنفوذ الحصانة ولا يكون بحماية المخالفين وأقارب النواب.. نأمل من النواب الجدد أن يكونوا فى خدمة القانون والعدالة والنظام العام.. نأمل فى نواب يواصلون الليل بالنهار فى أهم ما كلفهم به الشعب والقانون من رقابة على أداء الجهاز التنفيذى..على الأداء الحكومى..الرئيس عبدالفتاح السيسى كل يوم فى زيارة ميدانية يواصل الليل بالنهار من أجل تقديم ما يستطيع لشعبنا فى زمن قياسى.. فى حين يمكنه القيام بذلك من مكتبه لكنه يعلم أن سنوات طويلة من التراخى لن يجدى معها إلا المتابعة الحية.

رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، يؤدى أداء ميدانياً متصلاً، ولذلك مَن لا يستطيع أن يقدم لشعبه كما يفعل الرئيس ورئيس الحكومة على المجلس محاسبته وعقابه ليس نيابة عن الشعب وحده وإنما نيابة عن الوزراء والمحافظين الأكفاء الذين يؤدون واجبهم كما ينبغى!

الرقابة على الأداء الحكومى ستضع المسئولين باستمرار تحت المجهر.. بما يعنى يقظة دائمة واستنفاراً مستمراً وسينعكس ذلك بالضرورة على الأداء العام وبالتالى على الصالح العام!

الرقابة بهذا الشكل تزيد أهميتها فى ظل غياب المجالس المحلية التى هى برلمانات محلية تراقب وتوجه وتتابع.. وإلى حين انتخابها وتشكيلها تبقى هذه المهمة على عاتق مجلس النواب.. إذا تم ذلك فسنكون قد منحنا حالة الرضاء الشعبية اتساعاً إيجابياً لا مثيل له.. ونبقى فى انتظار ذلك كله من البرلمان الذى نريده!