«بابا نويل».. الريف المصرى
- أحمد رفعت
- الحكومة
- مخصصات الدعم التموينى
- القرى الأكثر احتياجا
- أحمد رفعت
- الحكومة
- مخصصات الدعم التموينى
- القرى الأكثر احتياجا
أربعون عاماً سابقة على 2014 كانت أعين واهتمامات الحكومات السابقة كلها تتجه ناحية فئات بعينها.. متنفذون فى الحكومة وأصدقاء من فى الحكومة ونواب فى البرلمان، رؤساء لجان قادرون هكذا كانوا على توجيه القرار السياسى وتوجيه خطط الحكومة التى اهتمت أكثر وأكثر بقرى «الكبار»، التى ربما قضوا فيها أسبوعين أو حتى شهراً أو شهرين فى العام.. طرق وإنارة وخدمات ومرافق وبعضها بالدعم المستحق لغير القادرين كأسعار الكهرباء مثلاً.
اليوم يتبدل الحال.. ليس فى تكافل وكرامة ولا فى زيادة مخصصات الدعم التموينى ولا فى ضبط منظومة الخبز ولا فى معاشات التضامن ولا فى مبادرات الصحة وإنما فى مشروع كبير بدأ العام الماضى ونجح ويكبر ولله الحمد كل يوم.. إنها مبادرة «القرى الأكثر احتياجاً» بعد تصحيح عنوانها من «القرى الأكثر فقراً»!!
قرار من بين قرارات منتدى الشباب فى أواخر 2018 يجد طريقه للتطبيق العملى فى قرارات تصدر فى يناير 2019 وسريعاً سريعاً تتسلم وزارة التضامن التكليف، لكن الموضوع أوسع من اختصاصاتها، وهو ما يتطلب مشاركة وزارات أخرى، لكن أيضاً المهمة أكبر من قدرات الحكومة وحدها، فتتقدم الجمعيات الخيرية وبعض مؤسسات المجتمع الأهلى وأهل الخير من القطاع الخاص، وتوضع معايير التعامل مع 143 قرية، تكون الأولى منها من تتجاوز نسبة الفقر بها الـ70% وتليها من تزيد نسبة الفقر بها على الـ50% والأخيرة من تتجاوز نسبة الفقر بها الـ30%، وانطلقت الرحلة فى كل اتجاه، الأولوية القصوى لمحافظات الصعيد، ولها فى المشروع نصيب الأسد لا لشىء إلا لأنها كانت الأكثر إهمالاً طوال عشرات السنين والأكثر تناسياً من قرارات الحكومات السابقة والأكثر سقوطاً من تفكير المسئولين السابقين!
تم انتشال الـ143 قرية مما هى فيه ومما هى عليه من فقر لا مثيل له، حتى إن قرى عديدة كانت نسبة الفقر فيها تتجاوز الـ90% مثل أهل عشيرة فى أسوان والحبيل بقنا وقلشقيل بأسيوط.. وغيرهم وغيرهم.. كان دخول المبادرة لأى قرية أشبه بوصول «بابا نويل» إلى أى مكان فى الأساطير والأعمال التليفزيونية والسينمائية الغربية، أو الفانوس السحرى فى أساطيرنا الشرقية، حيث تبدل الحال تماماً لسكان هذه المناطق.. وصلات مياه شرب وخطوط الصرف الصحى مع توصيل الكهرباء إلى المنازل.. هناك فى المبادرة تسدد لغير القادرين مصروفات المدارس وتسدد ديون البعض وتجرى العمليات الجراحية المؤجلة وتقدم الكراسى المتحركة أو النظارات الطبية مجاناً وتسقف أسطح البيوت للحماية من المطر، ويركب زجاج الشرفات ليحمى من البرد والغبار والأتربة، وهناك أيضاً قروض ميسرة للغاية للراغبين فى إقامة مشاريع متناهية الصغر!!
الآن تكبر المبادرة أكثر وأكثر وباتت القرى فى الوجه البحرى تتطلع إليها، ويوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن تشمل الخطة المزيد من قرى الدلتا وشمال مصر، مع مزيد من القرى فى محافظات الصعيد أيضاً، إلى أن اقتربت القرى المستفيدة من الـ300، وفجأة يفاجئ الرئيس المصريين بقرار رائع ومهم بتغيير أفق المبادرة من 1000 قرية فى سقف أعمالها إلى 1500 قرية، تصل فى المستقبل القريب إلى التعامل مع 1381 قرية، على أن يتم الانتهاء من المشروع بالكامل خلال 3 سنوات، بسقف مخصصات يصل إلى رقم فلكى لا مثيل له قد يصل إلى عشرات المليارات!
اعتقادنا الشخصى أنه بعد السنوات الثلاث ستستمر المبادرة حتى الوصول إلى الـ5000 قرية بطول البلاد وعرضها، وما حولها من نجوع وكفور وتجمعات سكنية، حتى لو كانت عشوائية ظهرت وكبرت وتوسعت فى غفلة من الزمن ومن المسئولين!
المشروع القومى لرفع كفاءة 1500 قرية موزعة على معظم الجغرافيا المصرية لا نعتقد أنه سيتوقف عند الـ22 محافظة على مستوى محافظات الجمهورية، ولا الـ50 مركزاً بتلك المحافظات لتطوير -كما قلنا- التجمعات الريفية وتخفيف معدلات الفقر وتطوير البنية التحتية، وإنما اعتقادنا أنه سيتمدد إلى الـ27 محافظة وبعدد مدن أكبر!
الآن ماذا نريد أن نقول؟ ماذا علينا أن نفعل؟! ليستمر المشروع وينجز مهامه على الوجه الأكمل وبالسرعة المطلوبة للالتفات إلى باقى القرى أو على الأقل دفعة جديدة منها؟! نقول: المشروع الذى بدأ بمبلغ بسيط قياساً إلى الجهد المبذول والتكلفة المطلوبة قدمت فيه الحكومة مع صندوق تحيا مصر النسبة الأكبر من التكلفة، ثم جاء دور مؤسسات خيرية عديدة وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وتبقى نسبة مساهمة هذه الجمعيات والقطاع الخاص فى حدود الـ15 إلى الـ20٪!!! وهى نسبة ضئيلة بحجم الإنفاق وبحجم الطموحات أيضاً.. وكل الأمل أن يمد القطاع الخاص يده للدولة وللمشروع وللحلم الذى يتحقق الآن، خصوصاً أن التجربة مستمرة فى ظل أزمة كورونا، وفيها قدمت الدولة يد العون للقطاع الخاص فى قطاعات عديدة خففت عنه أعباء الأزمة، وقبلها وعلى مدار سنوات طويلة استفاد القطاع الخاص من إعفاءات وتسهيلات، وكذلك استفاد من دعم المصدرين وغيرها من تسهيلات قدمتها الحكومات السابقة أملاً فى قطاع خاص ناضج ورشيد، وعليه أن يقدم نفسه هكذا ويثبت ذلك عملياً وأن يسير الجميع أو على الأقل تسير الأغلبية فى الاتجاه نفسه الذى سارت فيه وسبقتهم إليه مؤسسات خاصة عديدة!
يتبقى أن تصل المجهودات الجبارة المبذولة لباقى المصريين أو للعالم كله بالصورة الأمثل ولا يتوقف أثرها عند المستفيدين منها، إذ إن ذلك ظلم لها وللمشاركين فيها وللقائمين عليها ومن يديرونها.. وقد أعلن الرئيس السيسى قبل أيام إشراف سيادته على المبادرة بشكل مباشر، وهو ما يؤكد الإصرار على إنجازها على الوجه الأمثل والأكمل.. ولذلك الأمل.. كل الأمل.. أن ينقل الإعلام التجربة للناس عملياً.. صوتاً وصورة.. قبل وبعد.. أن يزور التلاميذ والطلبة نماذج من هذه القرى يرونها بأنفسهم ويعودون ليحكوا ويرووا ليس لزملائهم فحسب بل لأهلهم.. أبائهم وأمهاتهم وأخواتهم!
أن تقام -مثلاً- مسابقات رياضية لمراكز شباب هذه القرى.. أو تكون القرى نفسها فى سباق أجمل قرية أو أكثر قرية استفادت من خدمات المشروع أو حتى أكثر قرية عظمت الاستفادة منه وحولته إلى قيمة مضافة بأى طريقة أو درجة كانت.. أن يتحول هذا المشروع القومى الكبير إلى مسابقات فى القصة فى نوادى الأدب أو فى اختبارات التعبير ومسابقات الخطابة فى المدارس. المهم.. أن يكون محل اهتمام الجميع.. وزارات ومؤسسات وهيئات وبعدها سيتحول تلقائياً إلى حديث الناس فى كل مكان.. ليشعر الناس -ومن حقهم أن يشعروا- أن هناك أخيراً دولة مسئولة عنهم وأن هناك قيادة تعيد إليهم حقوقهم التى تأخرت طويلاً.