2021.. عام التحولات والتحالفات
إذا جاز وصف «2020» بكلمة فهو قطعاً عام «الاختلاف» بكل ما يحمله المعنى من صدمة جائحة استحوذت على مقادير العالم.. تحولات وتحالفات سيشهد العام القادم اتضاح ملامحها. مجموعة المتغيرات التى شهدها هذا العام دولياً وعربياً لم تعد تحتمل السلبية والاستكانة، ولا الضرورة عادت تقتصر فقط على انتظار العالم لقاحاً أملاً فى إنقاذه من فيروس أصاب أعصابه بالشلل، لكنها أصبحت -تحديداً بالنسبة للمنطقة العربية- حتمية إيجاد «لقاح» سياسى فى ظل متغيرات دولية تستدعى حالة حراك موازٍ يضع مصالح المنطقة على قائمة أولوياته.
مصر أدركت هذه الحتمية مبكراً.. إذ بدأت السياسة الخارجية منذ 2013 حراكاً دبلوماسياً نشيطاً نحو بناء تحالفات بين مجموعة دول عربية، وصولاً إلى موقف موحد تجاه التحديات التى تواجه المنطقة، وتأهباً للتعامل مع المتغيرات الدولية. لعل أبرز مظاهر نجاح هذه الجهود ظهرت فى التقارب بين المواقف مع السعودية، الإمارات، البحرين، الأردن والكويت. كما شهد العام الماضى بشكل لافت للنظر عودة دفء للعلاقات التى أكسبها التاريخ والجغرافيا طبيعة خاصة بين مصر والسودان.. خصوصاً أن المعركة السياسية التى تخوضها مصر من أجل حقوقها فى مياه النيل ليست قضية فردية، لكنها تمس المصالح السودانية أيضاً.
من جهة أخرى، شهد عام «2020» نقلة اقتصادية وأمنية هامة من المنتظر ظهور نتائجها الإيجابية العام القادم فى إطار عدة اجتماعات عُقدت على مستوى قادة دول مصر، العراق، الأردن، تلاها لقاءات بين وزراء، ثم اتفاقيات تم توقيعها لم تقتصر على ملف تقارب المواقف دولياً بعيداً عن التجاذبات الإقليمية، لكنها شملت أيضاً تعزيز مستوى التنسيق بين الدول الثلاث، سواء فى الشق الأمنى ومحاربة الإرهاب والتعاون الاقتصادى والاستثمارى.. ما يعيد إلى الذاكرة مطالبات وتطلعات عديدة حول تشكيل نموذج مقارب للسوق الأوروبية المشتركة، وفق كل الحقائق التى تؤكد أن دول المنطقة العربية هى الأجدى بتطبيق هذا النموذج بكل ما يتيحه تنوع خصائصها لنجاح منظومة تكامل اقتصادى.
الخطوات المحسوبة التى تحكم مسار هذا التقارب، تحديداً كون العراق أحد أضلاعه، قد لا تبدو بعيدة عن المشهد الدولى، فى ظل التغييرات التى أدخلت وافداً جديداً إلى البيت الأبيض، ومظاهر مشهد انقسام لم تعرفه أمريكا عبر تاريخها المعاصر. وفق تقرير نشره موقع «فورين بوليسى»، أكدت دائرة صنع القرار المقرَّبة من الرئيس القادم بايدن أن أول تحدٍّ خارجى يتعين عليه مواجهته هو الأزمات الأمنية والاقتصادية فى العراق، ما قد يُنذِر بتصاعد الوضع إلى نشوب اقتتال داخلى بين الميليشيات الموالية لإيران بهدف السيطرة على موارد البترول ومنافذ التهريب الحدودية التى تُعتبر ضمن أهم موارد تمويل هذه الميليشيات. إذا كان العراق يحتل صدارة الدول التى يتجه نحوها التنافس الاقتصادى والسياسى بين قوى كبرى مثل أمريكا، روسيا، الصين، فالمؤكد أن المنطقة كلها تمثل «كعكة» لا يُستهان بها فى صراع هذه القوى. فى إطار إقبال العالم على إعادة ترتيب أوراقه.. لن يكون الاتحاد الأوروبى بعيداً عن مظاهر التغيير. بعد خروج بريطانيا وتنامى دور فرنسا بشكل كبير داخل الاتحاد على حساب تراجع دور ألمانيا، تبدو فرص فرنسا هى الأرجح لقيادة هذه المنظومة تحديداً بعد امتداد مساحة دورها السياسى فى المنطقة العربية والمجموعة الأوروبية. الدعوة إلى تجديد دماء الاتحاد تكررت فى عدة تصريحات للرئيس الفرنسى ماكرون حول الإصلاحات المطلوبة لتفعيل دور المنظومة الأوروبية وإخراجها من حالة الترهل التى عصفت بها عبر السنوات الماضية. هذا التوجه يتلاقى مع سياسة إدارة بايدن نحو إعادة صياغة تحالفاتها الأوروبية تحديداً حول ملف بعض دول عربية ستنتقل إلى العام القادم بكل الأزمات الأمنية والسياسية التى تعصف بها، والتى أثبتت أنها تتجاوز قدرة أمريكا على معالجتها بشكل منفرد.. الدرس الذى يجب أن تعيه واشنطن بعد تجاربها الفاشلة خلال العقدين الماضيين. الأجدى أيضاً أن يشمل التنسيق دعماً عربياً من قادة المنطقة والدول التى ترتبط مع أمريكا بتحالفات.. وهو يبدو الحل البديل أمام أمريكا وأوروبا لضمان حماية استثماراتهما الكبيرة فى المنطقة العربية.
مغامرات «الرقص على كل الحبال» لن تُنقِذ نظام أردوغان بعدما أقحم بلاده فى عداء مع عدد كبير من دول العالم. بدأ أردوغان عهد بايدن بسلسلة مغازلات أبرزها تصريح مستشار أردوغان حول التقارب مع إسرائيل، افتعال أزمة مع إيران فى رسائل مباشرة حول استعداده التفريط بأى تحالف فى سبيل مصالحه مع أمريكا التى جاء ردها فى إقرار مجلس الشيوخ بشكل نهائى فرض عقوبات على تركيا على خلفية شرائها المنظومة الصاروخية «إس 400» من روسيا، بالإضافة إلى تضامن جماعى من المجموعة الأوروبية مع الحملة التى يقودها ماكرون ضد أردوغان فى الاتحاد الأوروبى واعتماد قادتها فرض مجموعة عقوبات جديدة على تركيا، فى إشارة واضحة أعلنها الرئيس الفرنسى إلى أن «الاتحاد لن يقبل بعد أى أعمال مزعزعة للاستقرار فى نطاقه».