سانت كاترين!
هى منطقة تخص الله وحده، ووكلنا الله فيها تكريماً لمصر بأن يتجلى سبحانه وتعالى بذاته ويصير كلامه ذاته لأحد أبناء الكرة الأرضية مع أن السموات السبع تمتلئ بمخلوقات أكبر وأعلى وأقوى من البشر ملايين المرات، وإنه لشرف عظيم لمصر وحدها ومكانة لا تدانيها مكانة، حتى إن كانت مكانة مكة البيت العتيق الذى جعله الله مثابة للناس وأمناً، ولكن هنا كان تجلى ذاته بذاته للجبل الذى خر مفتتاً وبقيت فتافيت حرق الجبل من نور الله تجدها فى الصخور الباقية التى تحفظ حريق النباتات فيها، وعروق الجيولوجيا النارية تتخللها لتثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه بقعة لقاء الله مع أحد أنبيائه، موسى، وهو النبى الوحيد الذى تستطيع أن تعلن بملء الفم أنه مصرى ابن مصرى وابن مصرية هو وقارون فما علاقته باليهود إلا الديانة، أما النشأة والموطن والوطن فهو مصرى أباً عن جد وإلا جعلنا كل أبناء مصر غير مصريين إلا من نسل فرعون، وإذاً ستكون مصر غير مصر حاضنة الأديان والحضارات منذ آدم وحتى إدريس وإبراهيم وموسى وعيسى وكلهم زاروها سكناً ورحالة إلا محمد صلى الله عليه وسلم زارها وهو مع جبريل الأمين فوق جبل موسى يطيران فى الطريق إلى بيت المقدس الذى كان موضع عبادة سيدنا سليمان، حيث لم يكن المسجد آنذاك إلا بقعة خربة، ولكن حددها الله وحده بعلامة الصخرة المرفوعة عن الأرض والمقطوعة منها، حينما همّ البراق أن يحمل محمداً عليه الصلاة والسلام ويرتفع إلى السماء فنزع الصخرة معه وبقيت معلقة فى مسجد قبة الصخرة بفلسطين، وقد أكرمنى الله بأن أصلى تحتها فى مسجدها يوم الإسراء والمعراج، وكانت صدفة عجيبة بترتيب ربانى لم نتخيل مع السفارة أنها تحددت فى موعدها دون أن نعرف أنها ليلة الإسراء ذاتها.
ولعلى أكون من أوائل مَن زار المنطقة بعد عودة سيناء من إسرائيل لمصر، فركبت مع اللواء محمد يوسف، قائد شرطة المسطحات المائية آنذاك، قوارب فى خليج العقبة، وزرنا جنوب سيناء وكانت لا تزال فيها مناطق ألغام وعلامات مواقع ممنوعة من حقول الألغام عبر طريق رفيع مواز لشاطئ خليج السويس ثم خليج العقبة، وطريق وعر وسط الجبال يمر بواحة نخل وفيران لنصل لجبل سانت كاترين، والحذر واجب والحظر مفروض أن يمس أحدهم وادى الراحة، فهو الوادى المقدس طوى، ويجب أن تبتعد المدينة المقترحة عنه وعن جبل موسى والدير أى دير سانت كاترين وشجرة النور والنار التى يحتضنها الدير، والمدينة يجب أن تكون بعيدة نسبياً بمخلفاتها الصلبة والسائلة والغازية، وحبذا لو كان تصميمها شوارع واسعة وميادين كبيرة ومساكن متباعدة حتى لا تكون تكراراً لعمارات المساكن الشعبية الملتصقة ببعضها فى مدن جنوب وشمال سيناء.
ويجب أن ترتبط سانت كاترين وجبل الطور والاثنتا عشرة عيناً بشرق خليج السويس بالعين السخنة بغرب خليج السويس بطريق بلبيس الصحراوى حتى مدينة بوبسطة، فهذا غالباً مسار سيدنا موسى كما ورد بالقرآن حتى إن فرعاً قديماً بالزقازيق قبل ترعة الإسماعيلية يسمى بحر مويس، ومسار موسى غير مسار العائلة المقدسة، فقد كان لعيسى وأمه مريم مسار عبر شمال سيناء حتى الدلتا ثم مصر القديمة فى جنوب القاهرة عابراً النيل عند كنيسة المعادى وحتى كنيسة المحرّق بأسيوط.
وهكذا تحتضن سانت كاترين المسار الإلهى الأرضى الوحيد عبر تاريخ البشرية كلها، ويجب أن يكون تصميمها لائقاً بهذا المكان وتلك المكانة، ويجب أن يكون هناك ٣ مواقع مختلفة فى تصميمها: موقع جبل النور وموقع مسار موسى من خليج السويس إلى سانت كاترين بعد أن حاول أن يلتمس ناراً ولم يدرِ أنه يلتمس نور الله، ثم موقع مسار موسى عبر السبخات القديمة التى هى البحيرات المرة حالياً قادماً من بلبيس هارباً من ملاحقة فرعون موسى، سواء كان رمسيس الثانى أو الثالث، إلى أن يصل لخليج السويس، وهو الموقع الذى تاه منه موسى أثناء هروبه ببنى إسرائيل فى خط مباشر من الشرقية إلى سبخات البحيرات المرة إلى سيناء، فانحرف شرقاً ليجد نفسه عند بوغاز ميناء السويس حالياً بالقرب من العين السخنة فاستسلم لله وهو يرى فرعون وجنوده ولم يصدق أنه سيعبر البحر ماشياً عبر أول طريق مردوم فى خليج السويس، وكان الله ينادى على الملاك الموكل بالبحار فيقول القرآن باسم الله لهذا الملاك «واترك البحر رهوا» أمام فرعون ليدوس فيه بأقدامه وعرباته وخيله وجنوده، فغر فرعون غروره وظن أن المعجزة له بسحر السحرة وليست من الله بقدرته على إنقاذ موسى ودمار فرعون، ويبدو أن دمار الحضارة الفرعونية كلها تحقق مع فرعون موسى.
وهكذا انفردت مصر دون فلسطين بحياة موسى كلها، إذ لم يثبت تاريخياً أنه عبر سيناء إلى فلسطين رغم ندائه المتكرر لليهود أن «ادخلوا الأرض»، ورفضهم دخول أرض فلسطين وعبادتهم العجل واتباعهم تعاليم السامرى الذى جاء من سامراء العراق ليعيش فى مصر، ويشير القرآن هنا إلى تعدد الأعراق التى عاشت على أرض مصر، من سامراء إلى فلسطين إلى النوبة وقوم لقمان وإدريس ورحلة إبراهيم وسارة ورحلة يوسف ويعقوب إلى نصر الروم الذين عاشوا فى مصر على الفرس الإيرانيين الذين يعبدون النار بينما انتصر القرآن للمسيحية الرومانية وتنبأ بنصرها بعد أقل من عشر سنوات فى بضع سنين وعاشت الإمبراطورية بعدها مئات السنين.
وختاماً: إن طور سيناء ورد بالاسم فى القرآن، وحدد القرآن الأقاليم النباتية لسيناء، فى شمالها كان «التين»، وفى وسطها كان «الزيتون»، وفى جنوبها «طور سينين»، وهكذا وردت الآيات تكريماً لمصر فى سورة التين (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ)!!