العيش والملح!!
فى زمن جميل انقضى، كان العيش والملح يمثلان فى بلادنا قمة الوفاء والعشرة الطيبة والثقة والمصداقية، وكان الحلف بهما دليلاً على البساطة والشفافية.. والوفاء والصدق.. وما زال العيش والملح حتى الآن يمثلان لدى البسطاء قمة المحبة والمودة فلا يجوز أن يكون بيننا عيش وملح ثم يطعن أحدنا الآخر أو يخونه.. كما أنها ما زالت ظاهرة لدى بعض الدول فى ريف أوروبا الشرقية، حينما يستقبلون زائرهم بالمطار بلقيمات من العيش يتناولها مع الملح ليصون اللقاء ويحافظ على المودة ويتعهد بالصدق والوفاء.. أين نحن منه الآن؟
العيش.. هو الخبز كما يطلق عليه فى جميع دول العالم عدانا حيث يمثل العيشة.. يمثل الحياة لنا.. ولذا أطلقنا عليه العيش، فمن غيره لا نعيش وتعتبر بلادنا من أكبر دول العالم استهلاكاً للعيش أى القمح.. فمتوسط استهلاك الفرد سنوياً حوالى 180 كيلوجراماً من القمح وبحساب احتياجاتنا السنوية الكلية نجدها لا تقل عن 15 مليون طن نستطيع إنتاج ما يقرب من 50% منها أو أقل رغم نجاحنا وتميزنا فى الارتقاء والارتفاع بمتوسط إنتاجية الفدان بفضل مجهودات علماء الزراعة والمحاصيل الحقلية لدينا.. ولكن العين بصيرة واليد قصيرة.. فمساحة الأرض الزراعية لدينا محدودة وفى تناقص مستمر بفضل البلطجة والعشوائيات فى زمن سادت فيه الفوضى واللامسئولية.. مصر تخسر سنوياً من الأرض الزراعية ما لا يقل عن 30 ألف فدان تقام عليها الخوازيق الأسمنتية العشوائية.. أين الدولة من هذه المأساة.. وأتخيل أنه من الصعب تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح فالأرض محدودة المساحة والمحاصيل الاستراتيجية تتزاحم ولا تكفيها فهناك الأرز، الذرة، قصب السكر، القطن (رحمة الله عليه).
أما عن الملح فحدث ولا حرج.. مصر تستورد ما يقرب من 35% من احتياجاتها من الملح.. الملح نستورده.. والله العظيم.. . فالملاحات والبحرين الأبيض والأحمر وآلاف الكيلومترات من السواحل البحرية.. تنتج فقط 2.5 مليون طن سنوياً.. رقم هزيل.. وإن كان طلب الاستيراد عليه من الخارج يفوق خمسة أضعاف المنتج لجودته ونقائه.. ولكن أين نذهب من التلوث؟ فالبحر الأبيض والبحيرات المتوقفة عن إنتاجه لا أحد يدرى عنها شيئاً.. عشوائية كأى شىء فى حياتنا.. وقد طالت الملح الخيبة القوية كغيره.. إذن أصبح من الصعب استخدام العيش والملح فى حلف اليمين لتأكيد المصداقية والوفاء.. فكلاهما مستورد.. غير مضمون.. أو مضروب بلغة عصره.. وعلينا أن نعيش الكآبة.. والكذب وعدم الوفاء.. واللاإحترام.. علينا أن نحلف بأشكال العصر من البيتزا.. . والبشامل.. والناجتس والنسكافيه البلاك (ضرورى البلاك).. الأشكال سريعة التأثير.. سريعة الفقد، أما عن العيش والملح فعلينا النسيان فلن يعودا حتى تعود بلادى.
ولكِ الله يا مصر!!