الوطن تنشر مقال بيرم التونسى.. حديث اللصوص

كتب: الوطن

الوطن تنشر مقال بيرم التونسى.. حديث اللصوص

الوطن تنشر مقال بيرم التونسى.. حديث اللصوص

فى الأسبوع الماضى قطعت حديث ماكس الترجمان، بحديث لصوص النهار الذين ذكرهم «الجاحظ» منذ ألف عام. بل لم يكن هناك قطع فى واقع الأمر، لأن حقيقة اللصوصية واحدة فى كل زمان. وفى مرسيليا وعشش الترجمان. وبدأت يوميات هذا الأسبوع هكذا: يقيم أيضاً فى مرسيليا يهوديان مصريان أحدهما جاستون الأكبر الأب ويحترف مهنة وكيل للخديو عباس حلمى الذى ينفحه بخمسة آلاف جنيه فى العام كلما زار مرسيليا فى يخته.. «نعمة الله» ولا يكاد يقبضها ويطلع اليخت حتى يغادر جاستون الأكبر مرسيليا هرباً من زوجته وولده جاستون الأصغر ويقيم فى موناكونا.. وبجانب كازينو مونت كارلو فربما يقضى العام كله فى موناكو يربح ويخسر أو يعود إلى مرسيليا مطأطئ الرأس. أما جاستون الأصغر فإنه يحترف القوادة على مستوى عالٍ، ولكن ساعى «الجمهورية» وضع أمامى رسالة بليغة كتبها الأستاذ محمد الغزالى حرب المدرس بـ«الخديوية الثانوية» وكنت أضع الخطاب فى المحفوظات. أى من المؤجلات المهملات ولكن عندما قرأته وجدته يتصل بموضوعنا أيما اتصال فنحيت قلمى جانباً وأفسحت الصفحة لـ«الغزالى حرب» وها هو يقول: بخيت.. النهاز والنهاز فى اللغة له معنيان، أولهما؛ الحمار الذى ينهز بصدره للسير. وثانيهما الأفعى المستحمر الذى ينهز بصدره ورأسه لاغتنام الفرصة قبل فوات الأوان.. أما المعنى الأول فلا حديث لنا عنه، وأما المعنى الثانى فهو موضوع هذه الكلمة التى أوحى بها إلى ما جاء فى «الأهرام» منذ عهد غير بعيد عن أن محكمة جنح قصر النيل أصدرت حكمها بالحبس ستة أشهر مع الشغل والنفاذ على الخادم اللص «بخيت» الذى انتهز فرصة غياب السيدة «أم كلثوم» فى سهرة خيرية، وسرق من منزلها الذى طالما أكل من خيره ما سرق. وإذا كان هذا هو حكم القضاء العادل على هذا اللص «بخيت» النهاز. فما هو حكم الرأى الشعبى العام على كل «بخيت» ينتهز فرصة للشر أو يردد كلمة الحق للباطل، أو يستقبل كل رمضان «بتقليعة» أمريكانى تكفل له الظهور ولو على خازوق.. عندما كان الإمام مالك بن دينار فى المسجد يوعظ فى الناس بكوا فى خشوع، فلما التفت الإمام لم يجد مصحفه، فنظر إليهم وصاح فيهم بكلمته التى أصبحت حديث الأجيال. ومضرب الأمثال «كلكم يبكى، ولكن من سرق المصحف؟» ولا يزال هذا السؤال ينتظر الجواب.. وهيهات وهيهات!!! وهذا «بخيت» انتهز استغراق الناس فى روحانية رمضان ليدلى بدلوه وينهز بصدره ويعرض ببنات فكره، وما بنات فكره إلا مفترعات مبتذلات، كن وما زلن هدفاً لكل رامٍ حضيب، وغرضاً لكل طارق مريب، وقاتل الله حب الظهور، فكم قصم من ظهور، وكم سرع من ضحايا ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه فعرفه الناس بالحق لا بالباطل، وبالعلم لا بالجهل، وبخفة الروح لا بخفة العقل. ولئن كان العلم واسعاً فالجهل أوسع ولئن كان طيب المسك ذائعاً فنتن الجيف أذيع. ولئن كان الدخان العالى فى طبقات الجو وضيعاتكم فى «الأدنيين» من هو أعلى منه وأوضح. أو من هو أشد منه انحطاطاً عالياً.. ولا أشد ولا أوضح من «أدمى له مظهر علماء» الأزهر ولكن ما أبعده عنهم وما أبعدهم عنه. وأين عمامة الحسن البصرى مثلاً من عمامة «ابن الراوندى». الذى يقول فيه وفى أمثاله شاعرنا المبدع الأستاذ كامل الشناوى رئيس التحرير: وبدت عليك عمامة.. خرساء تنطق بالغباء.. ما كان أحمرها سوى.. جرح الكرامة والإباء.. ما كان أبيضها سوى كفن الفضيلة والحياء. ولعل الأستاذ غزالى حرب يذكر شيخاً آخر تقدم الشيخ بخيت وأباح للنساء الذهاب إلى حفلات الرقص بملابس الديكولتيه -أى بلا ملابس- واستشهد بشكوى نساء الصحابة إلى النبى صلى الله عليه وسلم عندما منعهن أزواجهن من الخروج لصلاة الفجر فقال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله». فهذا أيضاً يسمى «لص أحاديث» وضعها فى غير موضعها ليقترب بها إلى الفساق. وأخسر الخاسرين وأخيب الخياب من يتقرب للفتاوى الدينية إلى قوم لا دين لهم. فليس المنبطحة على رمال الشاطئ بالمايوه فى حاجة إلى أن يفتى لها بجواز الصلاة فى المايوه بينما هى لا تصلى.. وليس المُصرّ على إفطار رمضان فى حاجة إلى من يطمئنه على صحة دينه هو لا دين له. والذاهبات إلى المراقص عاريات ينصفهن صاحب الفتوى بفتواه لا يعنيهن فى قليل ولا كثير أنهن شبهن نساء الصحابة رضوان الله عليهم هؤلاء كلما تقربوا من الناس زادهم الناس مقتاً ومن يُهِن الله فما له من مكرم. نشر فى جريدة «الجمهورية» بتاريخ 18 رمضان 1376، الموافق 18 أبريل 1957