الصين من تهجين القرود إلى أسلحة الطاقة

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

فى خضم أخبار الصراعات والحروب والمنافسة على إنتاج لقاح لوباء «كوفيد 19»، مر خبران مرور الكرام رغم أهميتهما القصوى للبشرية جميعاً. الأول يتعلق بإجراء تجربة استنساخ قرد هجين بجينات بشرية فى الصين، بتعاون مع علماء أمريكيين وإسبان، والثانى ما نشرته جريدة «الديلى ميل» البريطانية، منسوباً إلى أستاذ جامعى صينى باستخدام بلاده سلاحاً سرياً يُعرف بأسلحة الطاقة الموجّهة أثناء المناوشات التى جرت فى أغسطس الماضى بين القوات الصينية والهندية فى الحدود المشتركة محل النزاع. ورغم اختلاف مضمون الخبريْن؛ أحدهما علمى طبى والثانى عسكرى، فالجامع بينهما هو كون الصين مصدر الخبريْن. ما يشير إلى أن التقدم العلمى لديها لا يقتصر على الصناعات والاختراعات المدنية التى لا تثير جدلاً دينياً وأخلاقياً وفكرياً وإنسانياً، بل امتد إلى كل القضايا والمجالات، سواء كانت مشروعة ومقبولة إنسانياً ومجتمعياً، أو محل جدل عاصف وتوجهات كبرى ترفض مثل هذه الاختبارات العلمية التى تمس الإنسان وكينونته المقدّسة، باعتباره من خلق الله، خالق الكون وكل ما فيه، ومحل احترام لكينونته البشرية ولا تسمح بالتلاعب فى مصيره. والأمر على هذا النحو يطرح إشكالية تتعلق بمدى توافق الصين مع الاعتبارات الأخلاقية العامة ومعايير احترام الكينونة البشرية.

الاستنساخ، سواء للحيوانات أو النباتات، أى إنشاء نسخة أخرى من الحيوان أو النبات ذاته تحمل صفاته الوراثية تخضع لاعتبارات تمزج بين التطور العلمى واعتبارات الربحية بالأساس، والمؤيدون لها من علماء وحكومات وشركات يصورون الأمر باعتباره أخلاقياً ومفيداً للبشرية، لأنه يساعدها على توفير ما تريده من غذاء ونبات بتكاليف معقولة، ويقال إن استنساخ مليون بقرة، كما تستهدف بذلك إحدى أكبر الشركات المتخصّصة فى الصين، فى زمن وجيز يوفر غذاء لعدة ملايين من البشر، ويساعدهم على النمو الصحى، الذى ينتفى تماماً فى حالة ندرة الغذاء الحيوانى أو النباتى. وهى حجة تبدو بسيطة، لكنها تُخفى فى الحقيقة المشكلات الصحية الناتجة عن تغذية البشر بلحوم مستنسخة، تعرّضت أصولها إلى تشوّهات جينية ثابتة علمياً أثناء عملية الإنجاب، ولها آثارها على طبيعة تلك اللحوم، مقارنة بلحوم الحيوانات المتوالدة طبيعياً. الأمر الذى يجسّد إشكالية أخلاقية وغير إنسانية حين يتم بيع تلك اللحوم المستنسخة، باعتبارها لحوماً عادية وطبيعية ودون الإشارة إلى نوعيتها وما يمكن أن تثيره من مشكلات صحية. وهذه الشركة الصينية تؤكد توافر تقنيات الاستنساخ البشرى لديها، وأن المسألة مجرد وقت.

ورغم جسامة الاستنساخ الحيوانى ولا أخلاقيته، فهو يبدو أقل كثيراً من كل التعقيدات الاجتماعية والقانونية والأخلاقية والدينية التى تحيط بفكرة استنساخ البشر، سواء للأغراض العلاجية أو الإنجابى. ومنذ أن طرحت هذه الإشكالية قبل أربعة عقود، لم يتوقف علماء من جنسيات مختلفة عن محاولة استنساخ أطفال بصورة غير شرعية قانونية، وهناك مزاعم كثيرة بنجاح تجارب فى الولايات وإيطاليا والصين فى استنساخ بشر، ولكن لم يُكشف عنهم ولا عن طريقة استنساخهم، ولا عن كيفية نموهم فى حال بقاء البعض منهم أحياء. والغالب أن هذه النماذج البشرية المستنسخة فى حال ولادتها، إما توفيت بعد مدة وجيزة، أو تعرّضت لتشوهات خلقية جسيمة، أو صار سلوكها مرتبكاً ومشوشاً وغير مطابق لعمرها الزمنى، وتم التخلص منها. وهذه الاستنتاجات بالنسبة للاستنساخ البشرى تستند فى الحقيقة، وفقاً لعلماء كثيرين، إلى ما يجرى بالفعل للحيوانات التى تم استنساخها بالفعل، سواء القرود أو النعاج، والتى صدرت عنها تقارير علمية فى دوريات موثقة. وآخرها ما نشر عن وفاة القردين اللذين تم استنساخهما فى الصين 2018، حيث توفى أحدهما بعد 30 يوماً، والثانى بعد 50 يوماً، وكذلك وفاة النعجة دوللى 1997 بعد أسابيع محدودة من ولادتها، فضلاً عن أن نجاح تجربة واحدة فى الاستنساخ لا يزيد على 4 إلى 5 فى المائة من التجارب، ويتطلب التضحية بعدد كبير جداً من الجينات ومن البيوض النثوية.كل الدلائل تشير إلى أن استنساخ البشر من أجل تشكيل مخلوق، سواء لاستخدامه لتوفير أعضاء لغرض العلاج، أو لتشكيل جنس بشرى بطريق غير طبيعى ومحدّد الجينات مسبقاً، هو أمر لا أخلاقى، ويثير مجموعة تحديات قانونية وإنسانية ومجتمعية جسيمة. ورغم وجود قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة 2005 تحظر جميع تجارب استنساخ البشر الإنجابى والعلاجى، فهناك عدد من الدول لا تحترم هذا القرار، وتصر على العبث بالمصير البشرى كله. وفى حالة الصين التى جاءت منها محاولة تهجين قرد بجينات بشرية، وما حملته التجربة من مخاطر تتعلق باحتمال تشكّل عقول قرود محمّلة بالقدرة البشرية على التفكير والتصرّف بعد حقنها بجينات بشرية، مما أدى بالعلماء إلى قتل جنين القرد محل التجربة. وهى نتيجة تؤكد أن التلاعب بجينات البشر أو الحيوان فيه انتهاك جسيم لحق جميع المخلوقات فى أن تكون على طبيعتها التى خلقها الخالق سبحانه وتعالى. ولا يفيد هنا ما يتم الترويج له بأن تلك تجارب علمية تعكس تطور أبحاث الجينات والخلايا الجذعية، أو أنها تعكس فضول العلماء، فهناك من يمول وهناك من يخفى الحقائق. فدون منظومة قيم أخلاقية ذات طابع إنسانى ودينى، تفقد البشرية أهم أسباب بقائها وكينونتها. وهنا تتحمل الحكومات والمؤسسات الدولية والعلماء أنفسهم مسئولية كبرى فى حماية البشرية من التلاعب بمصيرها. وإذا فقدت حكومة ما تلك المسئولية فالخطر جسيم، ولا تكفى معها مجرد الإدانة بكلمات مهما كانت قسوتها.

انتهاج معايير إنسانية ليس فقط مطلوباً فى المسائل العلمية وحسب، بل أيضاً فى الحروب والمواجهات العسكرية، فكل تجاوز للحد الأدنى من المعايير المتفق عليها فى معاهدات الحرب، يؤدى بالفعل إلى فوضى إنسانية لا رادع لها. ويمتد ذلك إلى استخدام أسلحة ذات قدرات تدميرية عالية أو كيميائية وتؤدى إلى تشوهات خلقية جسمية أو أمراض لا علاج لها. وإذا ثبت أن الصين استخدمت بالفعل أسلحة طاقة موجّهة لم تُستخدم من قبل، فنحن أمام مغامرة كبرى قد تؤدى إلى انتهاكات إنسانية وجرائم حرب غير مسبوقة.إن نشر الخبر أو تسريبه لا يصب فقط فى ردع الهند، بل ردع كل الدول والمجتمعات، بما فى ذلك الجيران القريبون أو المنافسون الأبعدون. وكأن رسالة النشر المنسوبة إلى أستاذ صينى، تنذر العالم بتفوق صينى هائل فى أدوات الحرب، وعليه أن يستعد لحقبة هيمنة صينية مدعومة بأسلحة لم يستخدمها أحد من قبل.