مجدى الجلاد يكتب| فى رثاء «عبدالله كمال» الذى غلبنى فى النهاية
مجدى الجلاد يكتب| فى رثاء «عبدالله كمال» الذى غلبنى فى النهاية
لن أقول فى وداعك إلا «إنا لله وإنا إليه راجعون».. عشت رجلاً مدافعاً عن قناعاتك، حتى لو اختلف معك الكثيرون، ولقيت ربك فى يوم كريم (النصف من شعبان)، أدعو الله عز وجل أن يتقبلك فيه قبولاً حسناً، ويثبتك عند السؤال، ويريح قلبك العليل من خطوب الدنيا، ومعاناة مشوار طويل فى حياة لا تستحق تلك المكابدة، ولا تساوى جناح بعوضة.
كان عبدالله كمال زميلاً نابهاً فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، كان يصغرنى بعام واحد، تخرجت دفعتى عام ١٩٨٦، وتخرج هو فى ١٩٨٧، ولم تبدأ المنافسة المهنية بين الدفعتين بعد التخرج، وإنما كانت جلية حتى فى أيام الدراسة، كان كل منا يراهن على تفوق دفعته، وشاء القدر أن تكون الدفعتان هما الأبرز والأنجح فى الصحافة المصرية.. ورغم ذلك لم تتوقف المنافسة يوماً، على مدى ٢٨ عاماً كاملة.. غير أن عبدالله كمال غلبنى اليوم.. فقد اصطفاه الله سبحانه وتعالى فى أيام مباركة، وسبقنى إلى دار الراحة، والبقاء الأبدى.. لكننى سوف أفتقده كثيراً!
سأفتقد صحفياً مثقفاً، وموهوباً.. سأفتقد كاتباً متسقاً مع قناعاته، وصاحب قلم رشيق.. سأفتقد من كان يختلف معى، فيقسو أحياناً، ثم نلتقى، فيضحك وأبتسم.. فيبادرنى «انتَ زعلت؟»٠٠ فأجيب ضاحكاً «طبعاً يا تخين».. فيرد مقهقهاً «إحنا بينّا عيش وملح يا رفيع.. فاكر أيام المدينة الجامعية؟».. يأخذنى بالحضن، ويضغط على ظهرى الموجوع، ويهمس فى أذنى «تحب أكسر لك العمود الفقرى، وأخلص الصحافة منك؟».. أصرخ متألماً، وأطبع قبلة فى «نغزة خده»، ثم أهمس «مهما عملت دايت عمرك ماهتوصل لرشاقتي»!
مات عبدالله كمال لأن قلبه الضعيف لم يتحمل شقاء المهنة.. مات دون أن يكمل مشواراً صحفياً، كان يراه بعين لامعة منذ أيام الجامعة.. مات تاركاً طفلين صغيرين، كان يحلم دائماً أن يعيشا فى وطن جميل، حتى لو اختلف معه الكثيرون، ولكنه كان ثابتاً على مبادئه، فلم يتحول، رغم الهجوم الحاد الذى تعرض له بعد الثورة، ولم يتلون لمجاراة الأوضاع الجديدة، وظل يدافع عن رؤيته بشجاعة وإخلاص.. مات عبدالله كمال الذى دخل «روز اليوسف» محرراً تحت التمرين، وتركها رئيساً للتحرير، ورغم ذلك لم يتوقف عن الكتابة وممارسة مهنة تجرى فى دمه.. مات عبدالله كمال، وتركنا فى الشقاء.. استراح قلبه، ولا تزال قلوبنا منهكة، ومتعلقة بدنيا دنية!
وداعاً «عبدالله» ابن أيامنا وأحلامنا وعذاباتنا وشقائنا ونجاحاتنا وإخفاقاتنا.. غير أننى لن أتركك تغادرنا قبل أن أشهد أهلنا جميعاً على التالى: «يا ربى.. يا خالقى وخالق عبدالله وخالق الكون.. لك وحدك يا كريم يا غفور.. أقر بأننى سامحت عبدك عبدالله كمال عن أى شىء بدر منه ضدى علناً أو سراً، ليس لى فى رقبته شىء، حتى لو كان له فى رقبتى حقوق الدنيا».. فلتشهدوا جميعاً على ذلك.. وكرروا هذا الدعاء «اللهم اغفر لعبدك عبدالله كمال، وارحمه، واعف عنه، اللهم أكرم نزله، ووسع مدخله، وبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم ثبته بالقول الثابت عند السؤال».. آمين.. آمين.. آمين.