الشهيد الحي ومهمة اللاعودة!

يوم 6 أكتوبر 73، طائرة حربية على متنها 23 شاباً من خيرة ما أنجبت الأرض المصرية يقودهم نقيب صاعقة لم يتجاوز عمره 26 عاماً وعلى ارتفاع منخفض حلقت الطائرة فى السماء، حتى لا ترصدها رادارات العدو، ثم قامت بإنزالهم فى منطقة وادى فيران وسط الجيش الإسرائيلى، واتخذوا مكاناً حصيناً اختاره بعناية رجال البدو بأحد جبال سيناء الوعرة.

كانت مهمة الأبطال هى القيام بعمليات فدائية تمنع تقدم العدو وقطع الإمدادات عنه والتواصل بين قواته جنوب وشمال سيناء ووقف تقدّمه، ورغم أنها مهمة شديدة الصعوبة والأبطال يعرفون أنهم قد يفقدون حياتهم، وأنها مهمة اللاعودة، فإنهم لم يشغلوا أنفسهم بكل ذلك، ولم يفكروا إلا فى شىء واحد فقط، هو إما النصر وإما الشهادة.

كان من المقرر للمهمة 3 أيام، وهى الأيام الأولى الحاسمة فى المعركة، وحملوا معهم الطعام والشراب والذخيرة التى تكفى هذه المدة فقط، لكن المهمة استمرت سبعة أشهر، وحتى بعد الهدنة، وحدثت لهم معجزات إلهية تؤكد أن الله كان معهم، وحينما تسمع التفاصيل من قائدها لن تستطيع السيطرة على دموعك.

ويوم 9 أكتوبر، الفدائيون شاهدوا أوتوبيسين ترافقهما 17 عربة فى طريقها لدعم جيش العدو فى شمال سيناء، ورغم فارق القوة فتح عليها أبطالنا النيران ودمروا الأوتوبيسين وفوجئوا بهروب العربات واكتشفوا بعد ذلك أن الضحايا 65 طياراً وملاحاً، وكانت خسارة فادحة لإسرائيل لم تنسها حتى بعد وقف القتال، حيث كان طيرانها يمشط المنطقة يومياً، ويضربها بالقنابل حتى يأخذ بالثأر من جنودنا الذين ينتقلون من مخبأ إلى آخر بمساعدة بدو سيناء الأبطال.

وفى أحد الأيام، قامت إسرائيل بعملية قتالية شرسة استخدمت فيها كل إمكانياتها، حتى اعتقد الجميع أن النقيب البطل ورفاقه لقوا ربهم شهداء، وبالفعل وصل الخبر إلى القيادة العامة واستخرجت شهادة وفاته، واعتمدت مكافأة الاستشهاد، وأرسلت مندوباً إلى منزل البطل لتسليم أهله المكافأة والشهادة وتحدث المعجزة بأن يعود الشهيد الحى فى اليوم نفسه، ويستدعيه على الفور المشير أحمد إسماعيل وزير الدفاع قائد القوات العربية فى حرب أكتوبر، حتى يكرّمه وهو بنفس بدلته العسكرية وشعر رأسه وذقنه الطويل.

العمليات العظيمة التى قادها البطل هو ورفاقه كان لها دور كبير فى تعطيل قوات العدو وتكبده خسائر فادحة، وأيضاً تحقيق مكاسب كبيرة فى مفاوضات الكيلو 101.

النقيب البطل بعد الحرب تدرج فى صفوف القوات المسلحة حتى رتبة لواء أركان حرب صاعقة وشارك فى تأسيس المجموعة 777 العظيمة، ثم 999، كما شارك فى حرب تحرير الكويت عام 1990، وكان مستشاراً عسكرياً لمصر فى عمان، إنه البطل «مجدى شحاتة»، الذى ما زال يعطى لبلده حتى الآن.

أعظم كاتب دراما فى العالم مهما كان مبدعاً لا يستطيع خياله أن ينسج سيناريو يعبّر عن حقيقة بطولات صناع نصر أكتوبر المجيد.

«شحاتة» ورفاقه نماذج طيبة وقدوة تحتذى تمنح الأمل، لأنهم قدموا أرواحهم فداءً للوطن، وبسببهم استعادت مصر أرضها والأمة العربية كرامتها.