إيران والتكنولوجيا النووية(5)

بعد الثورة الإيرانية عام 1979، امتنع الغرب عن تقيم يد العون والمساعدة لإيران نحو مساعيها الرامية الى امتلاك التكنولوجيا النووية وهو حق مشروع، بل وامتنعوا عن الوفاء بتعهداتهم وتعاقداتهم السابق توقيعها مع إيران، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أمتد سلطانهم نحو ضغوط قوية على روسيا والصين وباكستان لوقف تعاونهم النووى مع إيران. فى 21 سبتمبر2009، أبلغت إيران الوكالة عن مجمع "فوردو" Fordow لتخصيب الوقود، وهو موقع تحت الارض لتخصيب اليورانيوم وكان سابقا قاعدة للحرس الثورى الإسلامى، وقد أدان مسؤولون غربيون بشدة إيران لعدم كشفها عن موقع "فوردو"، والرئيس الأمريكى "باراك أوباما" قال إن "فوردو" تحت مراقبة الولايات المتحدة. كان قد تم الكشف عن ذلك الموقع "فوردو" علنا فى سبتمبر 2009 من قبل الرئيس الأمريكى "باراك أوباما" والرئيس الفرنسى "نيكولا ساركوزى"، ورئيس الوزراء البريطانى "جوردون براون"، بعد وقت قصير من عرض هذه الدول دليل على وجود مجمع "فوردو" النووى للوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA. بدأ البناء فى مجمع "فوردو" عام 2006، وتم تصميمه ليستوعب 16 شلال Cascades (الأجهزة متصلة بعضها مع بعض فى ترتيب متتالى)، ما مجموعه حوالى 3000 جهاز طرد مركزى طراز IR-1، فى نوفمبر 2012 كان قد تم تشغيل عدد 4 شلالات، كل شلال به 174 جهاز طرد مركزى (مجموعهم 696 جهاز) لإنتاج وقود مخصب بنسبة 20%، وبمعدل انتاج 10.6 كيلوجرام فى الشهر، تلى ذلك تركيب عدد 4 شلالات وبدأت العمل، كما أن هناك عدد 8 شلالات جارى تركيبهم. فى أغسطس 2012، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذريةIAEA ، أن عدد أجهزة الطرد المركزى فى "فوردو" قد تضاعفت لتصل الى 2140 جهاز، بعد أن كان عددها 1064 فى مايو من نفس العام، لكن الوكالة قالت ان الأجهزة الإضافية لم تعمل بعد. فى أغسطس 2013، وصل العدد الكلى لأجهزة الطرد المركزى والتى تم تركيبها فى "فوردو" الى 2784 جهاز، وكانت إيران قد أنتجت حوالى 195 كجم من سادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 20% فى مجمع "فوردو" منذ افتتاحه. مجمع "ناتانز" Natanz يقوم بإمداد مجمع "فوردو" بسادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 3.5%، لإنتاج سادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 20% لاستخدامها فى مفاعلات الأبحاث، وبحلول نوفمبر 2013 كان قد تم انتاج ما قيمته 221.4 كيلوجرام من سادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 20%. قالت إيران أن اليورانيوم المخصب بنسبة 20% فى مجمع "فوردو"، سوف يستخدم لإنتاج النظائر الطبية فى مفاعل الابحاث بمركز طهران للبحوث النووية. جهاز الطرد المركزى المستخدم لتخصيب اليورانيوم، به اسطوانة داخل حلة اسطوانية، الأسطوانة تدور بسرعة كبيرة جدا بواسطة محرك، وسرعة الدوران من 50,000 الى 70,000 لفة فى الدقيقة، ويتم تغذية الجهاز بغاز سادس فلوريد اليورانيوم UF6 والمراد رفع نسبة اليورانيوم القابل للإنشطار بهU235 ، ونتيجة للدوران السريع تنفصل جزيئات العنصر الأكثر وزنا وهو U238 (يورانيوم لا ينشطر)، وتتجمع على جدار الأسطوانة وتتحرك لأسفل، وتتجمع الجزيئات الأقل وزنا U235 بالقرب من مركز الاسطوانة وتتحرك لأعلى، يتم سحب U235 من الأسطوانة الأولى وترسل إلى الأسطوانة الثانية، وبذلك ترتفع نسبة تخصيب اليورانيوم بزيادة نسبة U235، وبعد مرور الغاز على عدة أسطوانات طرد مركزى متصلة فى توالى تسمى شلال، يمكن الحصول على يورانيوم مخصب. فى 21 أغسطس 2010، وقعت إيران وروسيا على بروتوكول لتشغيل وصيانة مفاعل بوشهر النووى، لحين حصول الكوادر الفنية الإيرانية على الخبرة الكافية فى تشغيل وصيانة المحطة، وقدر أنه وفى خلال ثلاث سنوات على الأكثر ستبدأ الكوادر الإيرانية فى تشغيل وصيانة المفاعل بنفسها. فى 26 أكتوبر 2010، بدأ العمل فى تحميل الوقود النووى فى مفاعل بوشهر (تحميل 163 حزمة من قضبان الوقود)، وانتهى العمل فى27 نوفمبر 2010، وأعلن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية "إن هذه الخطوة أظهرت أن خطط إيران النووية تمضى فى مسارها"، وقال " إن إيران أنتجت الآن أكثر من 35 كيلوجرام من الوقود النووى المخصب بنسبة "20%. فى 23 سبتمبر 2013 تسلمت إيران عمليات تشغيل مفاعل بوشهرالنووى (تشغيل تجارى)، هذا اليوم انتظره الإيرانيون أكثر من 37 عام، وسيبقى المفاعل تحت ضمان روسيا خلال عملية التشغيل المؤقتة التى ستستمر عامين أو 7000 ساعة تشغيل، وتعهدت روسيا بتوفير الوقود النووى لتشغيل المفاعل لمدة 10 سنوات، ونتيجة لوجود مشاكل فنية فإن المفاعل بدأ تشغيله فى 8 مايو 2011 (حالة الحروجية)، وتم توصيله رسمى على الشبكة فى سبتمبر2011، وفى يونيو 2013 بدأ تشغيل المفاعل بكامل طاقته .100% الصناعة الإيرانية شاركت فى مفاعل بوشهر WWER- بنسبة 36%، وشاركت الصناعة الروسية بنسبة 40%، وشاركت الصناعة الألمانية بنسبة 24%. فى أبريل 2013، ضرب زلزال قوته 6.3 درجات على مقياس ريختر منطقة بوشهر، والحمد لله لم تحدث أضرار بالمحطة النووية، والمفاعلات النووية فى العالم مصممة لمقاومة زلازل قوتها اكثر من 9 درجات على مقياس ريختر. تواجه المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 (المانيا + الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا)، عقبة حول تخصيب اليورانيوم، ومفاعل "أراك" الذى يعمل بالماء الثقيل، وتقوم إيران بتقديم ضمانات لتبديد مخاوف الغرب من مشروعها النووى، لكنها ترفض التخلى عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، معتبرة أن البرنامج ضرورى لأمن الطاقة. المخاوف الغربية حول مفاعل "أراك" الذى يعمل بالماء الثقيل، تتركز فى مقدرته على انتاج البلوتونيوم 239 الذى يستخدم فى صنع قنابل ذرية، والمطالب الغربية تدور حول غلق المفاعل، لكن إيران ترفض إغلاقه. 24 نوفمبر 2013، إيران ودول مجموعة 5+1، تتوصل في الجولة الثالثة "جنيف 3"، الى اتفاق مؤقت (مدة ستة أشهر)، بشأن برنامج إيران النووى، وإسرائيل تعتبر أن الاتفاق يمثل أكبر انتصار سياسى ودبلوماسى لإيران، ونلخص البنود النووية فى: • تم الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم حتى نسبة تخصيب 5%، وعلى أن يتوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% خلال الأشهر الستة القادمة، كما سيبقى جميع اليورانيوم المخصب داخل إيران ولن يخرج خارج البلاد. • الحفاظ على البنية التحتية للبرنامج النووى الإيرانى بشكل كامل، ولن يتم إغلاق أى مركز نووى إيرانى، كما ستستمر الأنشطة النووية فى مجمعات "فردو" و"ناتانز" و"آراك"، وعدم التوسع فى نشاط هذه المجمعات خلال الأشهر الستة القادمة. • سيتوقف إنتاج أجهزة طرد مركزية متطورة جديدة، بإستثناء الطرازات القديمة التى يتم إنتاجها لإستبدال أجهزة موجودة فى العمل. عقب "باراك أوباما" على الأتفاقية بقوله: "هذه الإتفاقية ليست سوى خطوة أولى، إلا أنها هامة جدا على طريق توقيع إتفاقية شاملة بصدد البرنامج النووى الإيرانى، وأشار الى أن إيران لن تتمكن من إستخدام الأجيال الجديدة والمتطورة من أجهزة الطرد المركزى بموجب هذه الإتفاقية، وأكد أن القيود المنصوص عليها فى الاتفاقية ستحول دون إمكانية صنع سلاح نووى. كما عقب وزير الخارجية الامريكى بقوله: إن الاتفاقية ستضمن أمن حلفاء واشنطن وأمن إسرائيل، وقال إن خطةَ العمل ستخفض بشكل كبير من فرصة إمتلاك إيران للسلاح النووى، وأكد أن ايران لن تزيد من مخزون اليورانيوم المخصب. وكان رد الفعل الإسرائيلى: "إن الإتفاقية تترك فى يد إيران كل أجهزة الطرد المركزى والتى تتيح لها إنتاج السلاح النووى، وإنها إتفاقية سيئة ولا تلزم إسرائيل فى شىء". الاربعاء 4 يونيو2014، اعترفت الولايات المتحدة ، بالتقدم الذى احرزته إيران حول تقديم معلومات واضحة تتعلق ببرنامجها النووى، وستستأنف المفاوضات فى 16 يونيو 2014 فى فيينا من أجل ابرام اتفاق نهائى قبل 20 يوليو 2014. تعقيبا على التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لضرب إيران نقول: من المخالف للقانون الدولي تهديد إيران، وأن من حق أى دولة فى العالم امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية شاملة دورة الوقود النووى كاملة، وهذا بنص الفقرة الرابعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية .NPT • الفقرة الرابعة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية الموقعة فى 1 يوليو 1968 تنص على: "تتعهد جميع الدول الأطراف فى هذه المعاهدة بتيسير أتم تبادل ممكن للمعدات والمواد والمعلومات العلمية والتقنية لاستخدام الطاقة النووية فى الأغراض السلمية, ويكون لها الحق فى الاشتراك فى ذلك التبادل, وتراعى كذلك الدول الأطراف فى المعاهدة، والقادرة على ذلك التعاون في الاسهام, منفردة أو بالاشتراك مع الدول الأخرى أو المنظمات الدولية فى زيادة تطوير تطبيقات الطاقة النووية للأغراض السلمية, ولاسيما فى أقاليم الدول غير الحائزة للأسلحة النووية والتى تكون طرفا فى هذه المعاهدة, مع ايلاء المراعاة الحقة لحاجات المناطق النامية فى العالم". إذا كان الغرب يدين إيران لعدم كشفها عن برنامجها النووى، فكيف تدان إيران ولا تدان إسرائيل التى تمتلك برنامج سرى لأنتاج القنابل النووية؟، وكيف تدان إيران لأخفاء برنامجها النووى والغرب نقض العهد ونقض التعاقدات وامتنع عن تقديم المساعدات. جميع الدول النووية برامجها النووية سرية، وكذا برامج التسليح التقليدية سرية، وحتى برامج التكنولوجيا السلمية الحديثة والمتطورة سرية. إذا كانت إيران قد نجحت فى إجبار الغرب على الإعتراف بها كدولة نووية، فالفضل يرجع الى أن إيران كدولة وضعت هدف واضح أمامها ولم تحيد عنه قيد أنملة، وبإرادة الدولة القوية وصلوا الى هدفهم المنشود. قدمت لكم ملخص عن التكنولوجيا النووية الإيرانية، ومن المهم أن نستخلص الدروس من هذه التجربة الناجحة، فهذه التجربة وكذا تجربة الهند وباكستان والأرجنتين والبرازيل، خير دليل على أننا كدولة "مصر" نستطيع بالإرادة القوية أن نمتلك التكنولوجيا النووية ونوطنها فى مصر، فمعها سترتقى الصناعات المصرية، وسوف نعود الى أمجاد أجدادنا الذين بهروا العالم أجمع من قبل.