الابتزاز السياسى

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

تقول العرب (ابتز) فلان فلاناً، أى: سلبه ماله بجفاء وقوة. والابتزاز هو اسم مصدر من الفعل ابتز.

ويعرف معجم المعانى (الابتزاز) بأنه الحصول على المال والمنافع تحت التهديد... هذا عن الابتزاز. أما (المبتز)، أو الشخص الذى يقوم بالابتزاز فهو شخص ذو طبيعة إجرامية، غالباً ما يمارس فعل الابتزاز دون تقدير للعواقب فيقع تحت طائلة القانون الذى يعاقب على هذه الجريمة، أو ربما يدرك عواقب فعله بعد أن يقدم عليه فيلجأ للاعتذار والإنكار بعد أن يصيب برذاذ فعلته بعض الشرفاء وهو يظن أن رسالته قد وصلت. وقد تابعت فى الأسبوع الماضى محاولة رخيصة للابتزاز السياسى طال رذاذها بعض مَن يشهد الجميع بوطنيته ونظافة يده، ولكنها لن تكون المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث ارتبط العمل العام فى أذهان البعض -للأسف- بالمنافع الشخصية لا بالرغبة فى خدمة مجتمع، فإلى جانب الابتزاز السياسى لدينا مرض آخر قرين به هو الارتزاق السياسى، ولا شك أن ارتباط العمل العام بالمنافع الشخصية كان قريناً بالتنظيمات التى أفرزتها دولة ٢٣ يوليو، فإلى جانب عدد من المسئولين الوطنيين المشهود لهم، ظهر المنتفعون والمتكسبون من العمل السياسى، ووصل الأمر إلى ذروته فى الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حكم الرئيس مبارك، فقد طال الفساد شرائح من المعارضين المصريين منذ سبعينات القرن الماضى، حيث سعت الأنظمة القومية العربية لدعم وتمويل بعض من يؤمنون بهذه الأفكار فى مصر، وبينما كان هناك شرفاء يبذلون الغالى والنفيس من أجل ما يؤمنون به، كان هناك من وقع فى فخ التمويل والارتزاق.

وغنى عن الذكر أن جماعة الإخوان الإرهابية كانت قد ألقت بنفسها فى أحضان بعض الدول التى كانت تعادى مصر منذ خمسينات القرن الماضى، وراكمت قياداتها الملايين والمليارات من وراء هذا التمويل الذى امتد أثره فى التمكين للجماعة حتى استطاعت الوصول إلى سدة الحكم فى مصر فى غفلة من الزمن.

والحقيقة أن كل النماذج التى طرأت على ذهنى وأنا أستعرض هذه الأمثلة كانت لسياسيين متميزين للغاية لولا وقوعهم فى هذا الخطأ، وهو حال يختلف عن حال أبطال الابتزاز السياسى اليوم الذين تنضح مناظرهم وهيئاتهم بالجهل وسوء الطوية والانحراف الشخصى، والحقيقة أن هؤلاء ليسوا سوى نبت عشوائى لسنوات من الفوضى والتخبط طاحوا فيها هم وأشباههم على وجه الوطن، واستغلوا ظروفاً سياسية مضطربة قدموا أنفسهم فيها كوطنيين مخلصين فى حين أنهم لم يكونوا سوى انتهازيين يضعون أيديهم فى أيدى الإخوان حتى وقت قريب من تمردهم عليهم وركوبهم موجة غضب الشعب المصرى ضدهم.

لقد أتاح لى عملى الصحفى أن أتابع من بعيد محاولات تكوين بعض قطاعات من النخبة الجديدة فى مصر، من خلال البرنامج الرئاسى لتكوين الشباب، وتنسيقية شباب الأحزاب وبعض السياقات الأخرى، وقد كان أكثر ما أثار إعجابى هو إحساسى أن هناك بحثاً عن الشباب الوطنى، غير الملوث بأوحال الماضى، والسعى لتأهيله وفق معايير علمية وموضوعية، ولم أشعر أن هناك شرطاً يقضى بأن يكون هؤلاء الشباب من (الهتيفة) الذين يرفعون الشعارات ليل نهار، على العكس من هذا، تمت إتاحة الفرصة لشباب ممن كانوا يصنفون بالمعارضين قبل ثورة ٣٠ يونيو وتمت إتاحة الفرصة لكل من يؤمن بالدولة الوطنية ولا يتورط لا فى التطرف ولا فى الفساد، ولا شك أن هذه محاولة جادة لخلق نخبة سياسية وطنية تتميز بالبراءة والوطنية والروح الشابة، ولا أدعى أننى مُلم بالصورة كاملة، ولا أدعى أيضاً أن الصورة مثالية تماماً، فلا شك أن عمل أى بشر مشوب بالنقصان مهما اكتمل، لكن الأكيد أن هناك محاولات جادة ووطنية لتدعيم النخبة المصرية بعناصر إعلامية وكوادر سياسية جديدة.. هذه المحاولات لا بد من دعمها والتصدى لمن يحاول تشويهها، إنصافاً للحقيقة وحرصاً على ألا يلقى من يعمل بالحجارة وسخائم التشويه، أو هكذا يجب أن نفعل.