السينما التركية تواصل نجاحها العالمي بـ"سبات شتوي" و"السعفة الذهبية" فوز مستحق

كتب: يوسف شريف رزق الله

 السينما التركية تواصل نجاحها العالمي بـ"سبات شتوي" و"السعفة الذهبية" فوز مستحق

السينما التركية تواصل نجاحها العالمي بـ"سبات شتوي" و"السعفة الذهبية" فوز مستحق

لم يكن هناك مفاجأة فى قيام لجنة التحكيم الدولية بمنح السعفة الذهبية للدورة السابعة والستين لمهرجان كان السينمائى الدولى، الذي انتهت دورته منذ أيام، للفيلم التركى "سبات شتوى" للمخرج نورى بيلج جيلان، لتحصل بذلك تركيا على تلك الجائزة للمرة الثانية بعد أن نالتها سنة 1983 عن فيلم "الطريق" للمخرجين يلمظ جونى وشريف جورين. فقد كان "سبات شتوى" بالفعل أحد أفضل أفلام هذه الدورة، وفاز بالجائزة عن جدارة وهى الجائزة التى ستضاف إلى تلك التى نالها "جيلان" من قبل من مهرجان "كان" عن أربعة أفلام من الستة السابقة: "أوزاك" (الجائزة الكبرى سنة 2003) وجائزة الإخراج لــ "أجواء سنة 2006" و"القردة الثلاث" سنة 2008 والجائزة الكبرى سنة 2011 عن "كان ياما كان فى الأناضول". يتناول الفيلم العلاقات بين ثلاث شخصيات رئيسية، الشخصية المحورية هى "ايدين" وهو ممثل سابق فى منتصف العمر، ورث فندقا صغيرا فى منطقة جبلية فى الأناضول، بالإضافة إلى أراض محيطة بها ومجموعة من المنازل المحفورة فى صخور جبلية. يشغل "إيدين" وقته بكتابة بعض المقالات لجريدة محلية كما أنه يتوق إلى كتابة تاريخ المسرح التركى، وهو يعتمد على مساعده فى إدارة الفندق وتولى أمور ممتلكاته، "إيدين" متزوج بامراة تصغره بنحو عشرين عاما هى "نهال" التى تعانى من الفراغ وتسعى إلى شغل وقتها بإنشاء جمعية خيرية تستهدف تطوير مدارس القرية، وهو ما يثير غضب الزوج عندما يكتشف الأمر، حيث لم يكن على دراية به، وتقيم فى الفندق أيضا شقيقته "نيلة" المطلقة والتى تشعر بمرارة من وضعها. تبلغ مدة عرض الفيلم 196 دقيقة وهو أطول فيلم عرض فى المهرجان، وقد اشترك المخرج فى كتابته مع زوجته، ويعتمد الفيلم على الحوار المكتوب ببلاغة ملفتة لكشف ما تكنه كل شخصية من الشخصيات الثلاث الاخرى، ويقدم المخرج أكثر من مواجهة درامية بالغة التأثير بين "إيدين" وزوجته حول موضوع جمع التبرعات، وكذلك المواجهة المتوترة بين الزوجة ومستأجر أحد منازل "إيدين" حينما تقدم للأسرة مبلغا من المال على سبيل التبرع لمواجهة العائلة لأزمتها المالية، وهو المشهد الذى ينتهى بأن يلقى رب الأسرة بالأوراق المالية فى نار التدفئة. تقسيم جائزة التحكيم: وفى رأيى أن تقسيم جائزة لجنة التحكيم بين الفرنسى "جان لوك جوداره" أكبر المخرجين سنا من المشاركين فى المسابقة الدولية (84 عاما)، والكندى "كزافييه دولان"، أصغر المخرجين (25 سنة) كان بمثابة فكرة صبيانية، فمن العار أن يمنح "جودار" نصف جائزة "فإما أن تكون لجنة التحكيم مقتنعة بفيلمه "وداعا للغة" الذى شارك فى المسابقة (هناك من النقاد من دافع عنه وهناك من هاجمه)، وفى هذه الحالة تمنحه جائزة مستقلة، أو لا تكون مقتنعة فتتجاهله، كما تجاهلت للأسف فيلم " يومان وليلة" للشقيقين البلجيكيين جان بيير ولوك داردين (رغم أن الكثير من النقاد رشحوه للسعفة الذهبية التى سبق للأخوين نيلها مرتين من قبل أو على الاقل لجائزة هامة مثل جائزة أحسن ممثلة لبطلة الفيلم "ماريون كوتيار"). عموما فان فيلم "أمى" للمخرج "دولان" تجربة سينمائية متميزة يوجه فيها صاحبه تحية إلى الأم من خلال شخصية أرملة فقدت زوجها قبل ثلاثة أعوام، وتضطر مع بداية أحداث الفيلم إلى استلام ابنها من المؤسسة التى كان قد أودع بها لمعاناته من اضطرابات عصبية وبعد رفض هذه المؤسسة الاحتفاظ به بسبب أنه أشعل النار فى أحد أدواره. وعلى مدى نحو ساعتين نتابع العلاقات المتوترة غالبا التى تسود حياة الأم " دايان" وابنها "ستيف" وكيف تضحى هذه الأم بكل شئ من أجل هذا الابن. ومن أهم ما يميز الفيلم حواره البارع الذى كتبه المخرج ومقدرته الكبيرة على إدارة ممثليه الثلاثة فى أدوار الأم وابنها والجارة التى تنجذب إليهما وتكاد تصبح من أفراد هذه العائلة الصغيرة. و"أمى" هو خامس أفلام "كزافييه دولان" منذ عام 2000 وقد عرضت جميع أفلامه فى أقسام "كان" المختلفة باستثناء الفيلم الرابع "توم فى المزرعة الذى عرض فى مهرجان "فينيسيا". جائزة الإخراج: ومنحت لجنة التحكيم الدولية جائزة الإخراج للأمريكى بينيت ميلر عن فيلمه "صائد الثعالب" المقتبس عن قصة حقيقية لعلاقة المليونير الامريكى جون دى بونت (ستيف كاريل فى دور مختلف تماما عن كل ما سبق ان اشتهر به كممثل للأدوار الكوميدية) بالشقيقين "مارك" و "ديفيد شولتز" بطلى المصارعة الحرة (يؤدى دور مارك الممثل الشاب تشانج تاتوم بينما يجسد مارك روفالو الشقيق الاكبر "ديف". تبدأ أحداث الفيلم سنة 1987 مع تلقى مارك شولتز دعوة من "جون دى بونت" لزيارته فى مزرعته، وهناك يفاجأ "مارك" بدعوة من المليونير بان يقيم فى مزرعته حيث سيوفر له كل الإمكانيات للتدريب على رياضة المصارعة الحرة استعدادا للاشتراك فى دورة "سول" للألعاب الاولمبية فى عام 1988، ويوافق "مارك" على العرض خاصة وانه يريد الاستقلال عن شقيقه الأكبر الذى تولى تدريبه قبل ان يقرر الزواج. ويتصور المليونير انه المبعوث الالهى ليقود الولايات المتحدة الى الفوز ببطولة العالم، كما انه يريد تحقيق المجد لنفسه بعيدا عن والدته التى تكره الرياضة، ولكن العلاقات بين المليونير واللاعب تتوتر بعد فترة بسبب رغبة الأول فى إملاء تعليماته على "مارك" فيتصل "جون" بـ "ديف" ، الشقيق الأكبر، ليتولى تدريب مارك إلى أن يدفع جنون العظمة المليونير إلى قتل "ديف" فى احد أيام عام 1996. وتشير العناوين فى نهاية الفيلم الى ان حكما صدر بسجن "جون دى بونت" حتى عام 2026 وانه توفى عام 2010 عن 72عاما. و"صائد الثعالب" هو ثالث أفلام المخرج "بينيت ميلر" بعد "كابوت" (2005) و"كرة المال" (2011) وقبل اخراج فيلمه الجديد تنقل "بينيت" بين عدة ولايات من اجل مقابلة "مارك شولتز" وارملة "ديف شولتز" والعديد من الرياضيين الذين عرفوا الشقيقين وكذلك عدة أشخاص عملوا تحت إدارة المليونير "دى بونت". جائزتا التمثيل: بينما كانت جائزة أحسن ممثل التى نالها البريطانى تيمونى سبول عن دوره فى فيلم "مستر ترنر" مستحقة الى حد كبير، فقد كان هناك أكثر من ممثلة تستحق جائزة التمثيل النسائى بدلا من الامريكية جوليان مور عن دورها فى الفيلم الكندى "خرائط الى النجوم" حيث تميز أداؤها فى رأيى بالمبالغة، وجسدت "مور" فى الفيلم شخصية ممثلة تقدم بها العمر بعض الشئ وتحاول بكافة الطرق الحصول على دور هام فى فيلم ترى انه سيعيدها الى الأضواء. أخرج "خرائط الى النجوم" الكندى ديفيد كروننبرج وشارك فى البطولة جون كيوزاك وروبرت باتينسون ومايا واسيكوفسكا، وتدور أحداثه فى هوليوود حيث يقدم نماذج مريضة وكريهة سبق للسينما الأمريكية عرضها بشكل اقوى فى أفلام مثل "اللاعب" و"الشرير والجميلة". ومن الممثلات اللاتى برزن فى هذه الدورة الممثلة الكندية دايان ديبريه فى دور الام فى فيلم "امى" وكذلك ماريون كوتيار الفرنسية التى تألقت فى الفيلم البلجيكى يومان وليلة" . وتؤدى "كوتيار" فى الفيلم شخصية "ساندرا" وهى امراة عانت لفترة من أزمة عصبية فتفقد وظيفتها فى مصنع صغير بعد أن وافق غالبية زملائها على أن يتم فصلها ليتمكن كل منهم من الحصول على مكافأة قيمتها الف يورو. وإزاء إلحاح "ساندرا" وزميلة لها يوافق رئيس العمل على أن يعاد الاقتراع بين العمال الستة عشر "أربعة عشر منهم كانوا قد صوتوا ضد استمرار ساندرا فى العمل" ويصبح أمام البطلة يومى السبت والأحد للمرور على زملائها فى محاولة لإقناعهم بتعديل قرارهم قبل أن يتم الاقتراع الجديد صباح الاثنين، وعلى مدى تلك المحاولات تيأس "ساندرا" أكثر من مرة ولكن مساعدة زوجها تدفعها الى الاستمرار فى المرور على زملائها فى منازلهم. وتعتبر هذه ثالث مرة على التوالى لتكون جائزة أحسن ممثلة من نصيب ماريون كوتيار بعد أن رشحت لها بقوة عن الفيلم الفرنسى "عن الصدأ والعظام" قبل سنتين وعن الفيلم الامريكى "المهاجرة" فى العام الماضى. وبالنسبة لجائزة أحسن ممثل فلم يكن هناك منافس قوى للبريطانى تيموثى سبول عن دوره فى فيلم "مستر ترنر" سوى الممثل التركى هالوك بيلجيمر ولكن لائحة المهرجان تمنع منح الفيلم الحائز على السعفة الذهبية جائزة اخرى. ويجسد تيموثى سبول شخصية الرسام البريطانى وليم ترنر (1775-1851) فى الفيلم الذى أخرجه مايك لى وقد اشتهر " ترنر" برسم لوحات عن السفن والبحار وكان من أوائل الفنانين الانطباعيين، ويركز الفيلم أحداثه حول السنوات الخمس والعشرين الاخيرة فى حياة الفنان التشكيلى الكبير. و"مستر ترنر" هو التعاون السادس بين "سبول" و"لى" منذ عام 1990 وان كان الفيلم يمثل أول بطولة لـ "سبول" تحت ادارة "لى"، وكما قال " سبول" وهو يتسلم الجائزة فى حفل الختام "كنت دائما مثل وصيفة العروس فى حفلات الزفاف اما اليوم فانا العروس نفسها". جائزة السيناريو: ومنحت لجنة التحكيم الدولية المخرج الروسى اندريه زفياجينتسيف جائزة السيناريو عن فيلمه "الوحش البحرى" وهو رابع أعماله السينمائية بعد "العودة" الذى نال عنه جائزة الأسد الذهبى فى مهرجان فينسيا سنة 2003 و"النفى" (جائزة أحسن ممثل فى كان 2008) و "ايلينا" (جائزة لجنة التحكيم فى قسم نظرة ما" سنة 2001). تقع أحداث "الوحش البحرى" فى بلدة فى شمال روسيا، "كوليا" بطل الفيلم يعيش حياة هادئة مع زوجته التى تصغره بعدة أعوام وابنه الصبى من زيجة سابقة، ويتعيش من جراج يمتلكه لإصلاح السيارات، ويصور الفيلم محاولة تصدى البطل بمساعدة محام من أصدقائه لعمدة البلدة الفاسد الذى يريد مصادرة منزل "كوليا" من اجل إقامة مشروع استثمارى يشارك فيه شخصيا مع القطاع الخاص، وفى الختام يتم تلفيق جريمة للبطل لإيداعه السجن ليحقق العمدة مأربه. أما الجائزة التى أراها غير مستحقة الى حد كبير فهى الجائزة الكبرى (ثانى جائزة فى الأهمية بعد السعفة الذهبية) والتى منحت للمخرجة الايطالية أليس روواشر عن فيلمها الثانى "الروائع" وأبطاله زوجان وأطفالهما الأربعة الذين يعيشون فى مزرعة صغيرة فى قرية ايطالية ويتعيشون من تربية النحل واستخراج العسل وبيعه، وذات يوم تعلن محطة تليفزيونية محلية عن مسابقة للعائلات المثاليات وتحلم الابنة الكبرى "جيلسومينا" بالاشتراك فى المسابقة. وقد قرأت أن إدارة المهرجان اختارت الفيلم للعرض فى قسم "نظرة ما" ولكن قبل انعقاد المؤتمر الصحفى لإعلان أفلام قسمي المسابقة و"نظرة ما" تقرر نقله الى المسابقة ربما لعدم عثور مدير المهرجان على فيلم أفضل. وعموما أرى أن لجنة التحكيم النسائية "الرئيسة المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون والمخرجة الأمريكية صوفيا كوبولا والممثلات كارول بوكيه وليلى حاتمى وجيون دويون" التى شكلت الاغلبية فى مواجهة أربعة رجال، ارادت مجاملة احدى المخرجتين المشاركتين فى المسابقة "الاخرى هى اليابانية "ناوومى كاوازى" بمنحها الجائزة الكبرى للمهرجان على حساب مخرجين آخرين أحق بها "فى مقدمتهم الشقيقين "داردين".