د. إياد حرفوش يكتب .. "جائحة" أسعار الدواجن: تنظيم التسويق والتوزيع هو الفريضة الغائبة!

كتب: إياد حرفوش

د. إياد حرفوش يكتب .. "جائحة" أسعار الدواجن: تنظيم التسويق والتوزيع هو الفريضة الغائبة!

د. إياد حرفوش يكتب .. "جائحة" أسعار الدواجن: تنظيم التسويق والتوزيع هو الفريضة الغائبة!

عندما بدأت جائحة كورونا فى مصر، وفى ظل الخوف المسيطر آنذاك، لم يملك مربّو الدواجن رفاهية اللوذ بأمان بيوتهم والعمل من المنزل. لم يقللوا أيام عملهم! استمروا فى النزول من بيوتهم كل يومٍ مع ضوء الشمس لمتابعة قطعانهم، لكن هذا لم يُعفهم اليوم من سداد فاتورة باهظة تسبب فيها الأثر الاقتصادى للوباء.

 

كانت توقعات النمو للاقتصاد المصرى قرابة 5.8% فى 2020، وفقاً للتوقعات الاقتصادية فى نهاية 2019م. انخفضت التقديرات إلى 3.5% فى أبريل 2020، بحكم تأثير جائحة «كوفيد 19»، ثم انخفضت من جديد إلى 3.1% فى تقديرات يوليو 2020م.

وبرغم أن مصر بين دول قليلة فى العالم ما زالت التوقعات لنمو اقتصادها إيجابية، بفضل الإنفاق الحكومى الكبير فى مجالات البنية التحتية، الذى حافظ على قيمة إيجابية لنمو الناتج القومى المحلى، لكن هذا لا يجب أن يغفل عيوننا عن إدراك الأثر السلبى للجائحة على العديد من قطاعات الاقتصاد الوطنى.

فقد رفع الوباء معدلات البطالة اعتباراً من الربع الثانى من 2020، ما تبعه تأثير حتمى على القدرة الشرائية للمواطنين فى العديد من مستويات الدخل، فضلاً عن غياب السياحة الخارجية، ما أثَّر سلباً على معدلات استهلاك الدواجن.

من المعروف أن أسعار الدواجن تنخفض عادة قُبيل وبُعيد عيد الأضحى المبارك سنوياً، نظراً لانصراف الطلب إلى اللحوم الحمراء فى هذه الفترة. وهو ما جرى هذا العام بطبيعة الحال، ولكن بصورة زائدة عن المعتاد، بسبب تأثر القدرة الشرائية للمواطنين التى امتد تأثيرها للحوم الحمراء فى عز موسمها وللأسماك وغيرها. لتتدنى أسعار جميع مصادر البروتين الحيوانى.

لكن الدواجن كان لها النصيب الأوفر من التأثر، حيث انخفضت الأسعار لأقل من 16 جنيهاً للكيلو الحى، ليخسر مربو الدواجن 15 جنيهاً فى كل طائر هى الفارق بين التكلفة المباشرة وسعر البيع المجحف! ولا يحسبن أحد أن هذا لصالح المستهلك، فغداً تتسبب الخسائر فى توقف قطاعات واسعة عن التربية، فيقل العرض وترتفع الأسعار بصورة زائدة! حلقة مفرغة تدور فيها الصناعة كأنها لعنة «سيزيف» الذى يدفع الحجر ليبلغ قمة التل، ثم لا يلبث أن يسقط من جديد!

بدأت تربية الدجاج فى مصر بصورة عشوائية منذ العصر البطلمى، لكنها تحولت إلى صناعة وطنية بقرار جمهورى جرىء فى 1964م بإنشاء المؤسسة العامة للدواجن. لتقوم بتربية الدواجن بالأسلوب العلمى وبمستوى صناعى تكاملى. من هذه المؤسسة خرجت الكوادر التى أدارت مؤسسات القطاع الخاص وخلقت ازدهار الصناعة. اليوم، يقتضى الحفاظ على هذه الصناعة قرار جرىء آخر من وزير الزراعة بتأسيس شركة مساهمة مصرية للتسويق والتوزيع الداجنى، برأسمال وقدره 300 مليون جنيه مصرى. وهو الاقتراح الذى قدمه الاتحاد العام لمنتجى الدواجن مراراً لوزارة الزراعة. رأس المال المطلوب للمشروع متوافر بالفعل فى صندوق التعويضات وتطوير صناعة الدواجن التابع لوزارة الزراعة. ونحن نتحدث عن مشروع مرتفع الجدوى الاقتصادية وسيتحول إلى مصدر دخل للصندوق بما سيحققه من أرباح. لكن الأهم أنه سيحمى صناعة تبلغ استثماراتها 90 ملياراً ويعمل بها 4 ملايين عامل. حيث تتعاقد الشركة مع المربين على توريد الدواجن بالتكلفة مضافاً إليها ربح عادل على مدار العام، وتتعاقد مع المجازر للذبح والتجميد والتخزين فى أوقات زيادة العرض، كما سيقع على عاتقها تغيير ذوق المستهلك نحو استهلاك الدواجن المجمدة والمبردة وبناء ولائه للمنتج الداجنى الوطنى.

وختاماً، ستبقى الصناعة مهددة ما بقيت الأسعار فى حالة تشبه حجر «سيزيف» المتأرجح بين القمة والقاع! والأسعار ستبقى على هذه الحال ما بقى التداول الحى الذى يجعل الدواجن سلعة قصيرة الأمد غير قابلة للتخزين. فالتسويق وتغيير ذوق المستهلك بمنهج علمى هو الفريضة الغائبة لاستقرار الصناعة!


مواضيع متعلقة