محاكمات «تيك توك»

انشغل المجتمع المصرى مؤخراً بالعديد من القضايا الجنائية المتعلقة بسوء استخدام تطبيق «تيك توك»، التى كان أبطالها بعض المراهقين ممن استخدموا هذا التطبيق فى تصوير ونشر فيديوهات فاضحة. وقد تعمدت فى هذا المقال الامتناع عن ذكر أسماء المتهمين، حرصاً على سمعتهم، والتزاماً بأحكام القانون فى هذا الشأن، التى تحظر نشر أسماء المتهمين الأحداث، يضاف إلى ذلك أن الرأى العام يعرف جيداً أسماءهم بسبب التغطية الإعلامية الواسعة للقضايا ذات الصلة بهم، سواء فى ذلك وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعى أو على موقع اليوتيوب. وفى أكثر هذه القضايا شهرة، تمت محاكمة المتهمين أمام المحكمة الاقتصادية بالقاهرة، وشملت قائمة الاتهامات الموجهة إلى المتهمتين الرئيسيتين فى هذه القضية تسعة أوصاف إجرامية، هى: الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع، الاشتراك مع آخرين فى استدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر، تلقى تحويلات بنكية من إدارة التطبيق مقابل ما حققتاه من مشاهدة، نشر فيديوهات تحرض على الفسق لزيادة نسبة المتابعين لها، التحريض على الفسق، الاشتراك فى مجموعة «واتس آب» لتلقى تكليفات استغلال الفتيات، تشجيع الفتيات المراهقات على بث فيديوهات مشابهة، الهروب من العدالة ومحاولة التخفى وتشفير هواتفهما وحساباتهما. وقبل أن يُسدل الستار على هذه القضية بصدور حكم قضائى بات فى شأنها، بدأت النيابة العامة التحقيقات فى قضية التعدى الجنسى على إحدى فتيات التيك توك، والتى صدر فيها أمر بإحالة المتهمين للمحاكمة الجنائية، وعددهم ستة، اسم الشهرة بالنسبة لأحدهم هو «كلاشينكوف»، وهو مالك حساب على تيك توك، يقدم فيه فيديوهات راقصة على نغمات أغانٍ شعبية هابطة.

فى المقابل، قام أحد خريجى القانون من جامعة أكسفورد، ويدعى «توبى ولكوكس»، بإطلاق مدرسة تيك توك للقانون (TikTok Law School)، حيث قام بنشر سلسلة من مقاطع الفيديو لمساعدة خريجى القانون الراغبين فى ممارسة مهنة المحاماة. وفى مقاطع الفيديو التى قام بتصويرها وإطلاقها حتى تاريخه، التى يزيد مجموعها على واحد وخمسين ألفاً، وتبلغ مدة كل فيديو منها دقيقة واحدة فقط، يقدم «ولكوكس» خلاصة دراسته ونصائحه المهنية للجماهير، بدءاً من ملخصات سريعة لقضايا السوابق القضائية، وصولاً إلى تقديم بعض النصائح المفيدة للتحضير للاختبارات.

من ناحية أخرى، وفى الفترة ذاتها التى انشغل فيها المجتمع المصرى بهذه القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدام تطبيق تيك توك، وفى السادس من أغسطس الحالى، قام الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بتوقيع أمر تنفيذى بشأن معالجة التهديدات التى يفرضها برنامج تيك توك، متضمناً منع أى تعاملات مالية مع مالكى برنامج «تيك توك» بعد 45 يوماً، تسرى اعتباراً من تاريخ التوقيع على الأمر التنفيذى المشار إليه. كذلك، وفى اليوم ذاته، قام الرئيس الأمريكى بتوقيع أمر تنفيذى آخر بشأن التهديد الذى يشكله تطبيق «وى تشات» (WeChat)، مقرراً منع أى تعاملات مالية مع مالكى هذا التطبيق. والهدف من وراء الأمرين التنفيذيين المشار إليهما -حسبما ورد فى ديباجة كل منهما- هو الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى، حيث صدرا بموجب السلطة الممنوحة للرئيس الأمريكى طبقاً للدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، بما فى ذلك قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، وقانون الطوارئ الوطنية، والمادة 301 من الباب الثالث من قانون الولايات المتحدة. وبناء على هذه الصلاحيات المقررة قانوناً، رأى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أنه يجب اتخاذ خطوات إضافية للتعامل مع حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وسلسلة توريد الخدمات المعلنة فى الأمر التنفيذى رقم 13873 المؤرخ 15 مايو 2019 (تأمين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسلسلة توريد الخدمات)، مؤكداً أن مواصلة انتشار تطبيقات الهاتف المحمول التى تطورها وتملكها الشركات القائمة فى جمهورية الصين الشعبية تشكل تهديداً للأمن القومى الأمريكى واقتصادها وسياستها الخارجية. ولذلك، وجد الرئيس الأمريكى من واجبه اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة التهديد الذى يفرضه أحد هذه التطبيقات، وهو «تيك توك». وقد وردت ذات العبارات تقريباً فى الأمر التنفيذى المتعلق بتطبيق «وى تشات».

والواقع أنه لا يجوز فهم هذه الأوامر بمعزل عن الحملة الشعواء التى شنتها الإدارة الأمريكية على شركة هواوى وشركة على بابا، الأمر الذى يمكن إدراجه فيما يسمى «الحرب الاقتصادية والتكنولوجية» بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية. وإذا كان الرئيس الأمريكى يهاجم بشدة تطبيق تيك توك، فإن الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» هو أول رئيس فى العالم يستخدم تطبيق تيك توك فى التواصل مع الجماهير، موجهاً رسالته الأولى لطلاب الثانوية العامة، وكان ذلك بتاريخ العاشر من يوليو 2020م. والله من وراء القصد..