الخدمات الطبية المعاونة.. جنود مجهولون وأعمدة رئيسية في المعركة ضد فيروس "كورونا"

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

الخدمات الطبية المعاونة.. جنود مجهولون وأعمدة رئيسية في المعركة ضد فيروس "كورونا"

الخدمات الطبية المعاونة.. جنود مجهولون وأعمدة رئيسية في المعركة ضد فيروس "كورونا"

رغم اختلاف وظائفهم وتنوعها، لكنهم يقفون على مسافات متساوية فى خط الدفاع الأول، وجهاً إلى وجه، لمحاربة فيروس قاتل لا يُرى بالعين المجردة، فهم أحد الأعمدة الرئيسية فى المعركة ضد «كورونا»، لهم دور لا يمكن لأحد أن ينكره، فهم من يتعاملون مع الحالات بشكل مباشر، ما قد يعرضهم للإصابة. «الوطن» فتحت ملف الخدمات الطبية المعاونة، ورصدت الأوضاع الصعبة التى يعيشها أفراد التمريض فى مستشفيات العزل الصحى والحجر.

حكايات كثيرة لا يعرفها كثيرون عن فنيى الأشعة، فمنهم من ضحى براحته كى يتمكن من إنجاز ما أسند إليه بدقة كبيرة، وفى أسرع وقت ممكن، حتى لا يكون سبباً فى تشخيص خاطئ.

ناجى سمير، أحد هؤلاء، يعمل بمستشفى قصر العينى، منذ أعوام طالت مدته حتى أصبح لا يمكنه إحصائها، وهو يعمل متنقلاً بين معامل مستشفيات الحميات، راضياً بكل متاعب مهنته، حتى ظهر فيروس كورونا، ومعه بدأت تتبدل الأحوال، فلم يعد يمكنه أن يرى أفراد أسرته بشكل مستمر، كما اعتاد سابقاً، يرى الأربعينى أن الفنيين هم أكثر عرضة للإصابة، وذلك لأنه يقف بشكل مباشر أمام المريض، المعاناة الأكبر كما يقول فنى الأشعة هى لحظة دخول منزله: «باقلع هدومى على باب الشقة وباحطها فى الغسالة على طول، ولو ابنى جه يقرب منى باقول له أبعد عنى شوية، ما أنا خايف عليه من العدوى».

يوميات ناجى سمير المعتادة، تتشابه مع حكايات أحمد عبداللطيف إبراهيم، ٢٣ سنة، لكن ثمة اختلافاً بينهما، وهو أن الشاب العشرينى ليس من أبناء القاهرة، وإنما من منطقة العريش بشمال سيناء، منذ ٥ أشهر لم ير «عبداللطيف» أحداً من ذويه، حيث إنه كان قد قرر أن يعود إلى أسرته فى مارس الماضى، لكن فيروس كورونا حال بينه وبين ذويه: «شغال بقالى سنة فى حميات العباسية، وماجاش فى بالى يوم أن شغلتى دى هتحرمنى من أهلى شهور»، يقول الشاب العشرينى إنه يعمل ٣٦ ساعة فى الأسبوع، فى ورديات متغيرة قد تصل إلى ١٢ ساعة فى اليوم الواحد. ويتابع: «المريض بيدخل معانا وبنخالطه بشكل مباشر علشان نجهزه للأشعة، أوقات من التعب بانام على الأرض، لأن مفيش وقت للراحة، وأوقات كنت بانام وأنا واقف، وقت الأكل بيكون سرقة، هما عشر دقايق أستأذن علشان آكل، وأغير كل ده فى عشر دقايق».

عاملة نظافة: "محرومة من حضن أحفادى بقالى ٣ شهور"

وأكد عدد من عمال النظافة العاملين داخل مستشفيات العزل، أن العمل فى ظل أزمة كورونا يقابل العمل فى وقت الحرب. سوسن محمد رزق، ٥٢ سنة، واحدة من هؤلاء، منذ ٢٥ عاما وهى تعمل عاملة نظافة فى وحدات الغسيل الكلوى، إلى أن جاء فيروس كورونا وتم توزيع مرضى الغسيل الكلوى على المستشفيات، تمهيداً لتحويل مستشفى العجمى لحجر صحى: «لما انتشر الفيروس نزلونى المغسلة، بآخد الملايات ومتعلقات المرضى وأغسلها، بلبس طبعا الواقى بتاعى وجوانتين على بعض وبدلة جلد، وجزمة برقبة وماسك على الوش»، تقوم الخمسينية بعزل الملابس حتى يتسنى لها الغسيل: «عندنا كذا حوض، باحط هدوم المرضى لوحدها، والأطباء والطاقم لهم غسالة خاصة بيهم ومجفف»، وتضيف: «شغل شقا وتعب من ٥ الفجر لحد ٣ بليل وإحنا بنغسل فى هدوم، وبنريح ساعتين بس، والشغل بيكون ١٤ يوماً متتالين وإجازة ١٤ يوماً وأوقات بطبق، وبنام فى المغسلة من التعب». وتشير إلى أنها لا تستطيع مخالطة أحفادها منذ بداية الأزمة: «مش عارفة أحضن أحفادى بقالى ٣ شهور علشان خايفة عليهم».

دورهم لا يقل أهمية عن الأطباء فهم بمثابة الخط الأمامى فى مواجهه فيروس كورونا، لحظات صعبة مرت على أطقم التمريض منذ بداية الأزمة، عمر محمد، ٢٥ سنة، أحد هؤلاء الأبطال الذين قرروا أن يشاركوا فى التصدى للفيروس، قبل الأزمة كان يعمل «تمريض استقبال»، ولكنه قرر أن يتطوع لخدمة حالات كورونا بعد قرار تحويل مستشفى قها إلى حجر صحى، فتم تقسيم فريق التمريض إلى فريقين، الأول، تقتصر مهمته على تجهيز الطعام للمرضى والفريق الثانى دوره يقتصر على تقديم الطعام والإشراف على تناول جميع الحالات الموجودة فى المستشفى للأكل، يقول «عمر»، إن فريق مكافحة العدوى أخبرهم بضرورة تقليل عدد مرات الدخول للحالات، مع مراعاة ارتداء البدل الواقية: «البدل دى صعبة جدا مفيهاش مسام، بنفضل لابسينها أكتر من ٦ ساعات متتالية، لدرجة إن فيه ناس بيغمى عليها بسببها».

لا تقتصر مهمة التمريض فى مستشفى قها على تقديم العلاج الدوائى للحالات فقط، بل يمتد إلى تقديم الدعم النفسى لهم أيضاً والعمل على رفع الروح المعنوية للمرضى: «بنحاول نؤهلهم نفسياً ونطمّنهم أن الموضوع بسيط»، معاناة الممرض الشاب لا تقتصر على ضغط العمل داخل المستشفى فقط، بل تمتد إلى بيته، حيث يقوم بعمل حجر صحى ١٤ يوماً لنفسه بشكل تلقائى: «باخلى أخواتى يجهزوا ليا أوضة أقعد فيها لوحدى، بنادى لوالدتى تجيب ليا الشنطة اللى كنت شغال بيها، وتحط فى كل اللى فيها كلور وتسيبهم فى الغسالة، بيسيبوا لى الأكل قدام الباب وده إحساس صعب جداً، لكن أنا راضى لأن ده شغلى وباحبه»، يعمل «عمر» بالرعاية، حيث الحالات التى غالباً ما تكون درجة الوعى لديها قليلة، وهو ما يتطلب منه مساعدة الحالة وتقليبها منعاً لقرح الفراش، مما يجعله عرضة للإصابة بالفيروس.

تقول الدكتورة أمانى جمعة، أستاذ صحة المجتمع بجامعة الفيوم، استشارى مكافحة العدوى، إن دور الفريق الطبى المعاون لا يقل أهمية عن الدور الذى يقدمه الأطباء، وذلك لأنهم دائماً ما يكونون فى مواجهة مباشرة مع الفيروس، وهو ما يتطلب ضرورة العمل على تقليل فرص الإصابة بالفيروس، إلى جانب الاستمرار فى تقديم الخدمة العلاجية للمرضى كما يجب، مشيرة إلى أنه لا بد أن يراعى هؤلاء الإجراءات الاحترازية بشكل دقيق، حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لفيروس كورونا.


مواضيع متعلقة