ضرائب الشاى.. ثمن الاستقلال!

عمرو المنير

عمرو المنير

كاتب صحفي

يقول التاريخ إن الضرائب كانت أحياناً مثل عصا موسى التى شقت البحر، فهى قادرة على تصحيح الأوضاع لصالح المُجتمع، وتجاوز الخوف من المستعمر، كما حدث بالفعل منذ مئات السنين فى أمريكا.

بدأت الحكاية عام 1763م عندما برزت الإمبراطورية البريطانية كقوة منتصرة بعد حرب السنوات السبع مع فرنسا، فى ذلك الوقت لم يكن لدى المستعمرات الأمريكية جيش للدفاع عن مواطنيها الأمريكيين، لذلك كانت حكومة المستعمر البريطانى تفرض ضريبة على المزارعين من مالكى الأصول الثابتة كالأراضى والبيوت وكذلك الأصول المنقولة كالعبيد والماشية مقابل حماية المستعمرات من تهديدات الهنود الحمر والفرنسيين.

وأدى انتصار الإمبراطورية البريطانية على فرنسا لاتساع نفوذها، فتعاملت مع المستعمرات الأمريكية كـثروة غير مستغلة، وأراد المستعمر البريطانى أن يستفيد أكثر من تلك المُستعمرات -خاصة أن الحرب الطويلة أثقلت كاهل الحكومة البريطانية بديون هائلة- فقام البرلمان البريطانى فى عام 1765 بفرض ضريبة دمغة على العقود والأوراق الرسمية وإعلانات الصحف والتراخيص التجارية والمشروبات الكحولية فى المستعمرات الأمريكية.

وهنا شعر سكان المستعمرات بالغضب على أساس أنه ليس من حق البرلمان البريطانى فرض ضرائب جديدة على مواطنين أمريكيين يعيشون خارج بريطانيا لتمويل الخزانة البريطانية، وخرج سكان تلك المستعمرات فى انتفاضات شعبية سرعان ما اتسع نطاقها اعتراضاً على الضرائب الجديدة. ومع اندلاع الشرارة الأولى للغضب ظهرت مجموعة -أطلقت على نفسها أسم «أبناء الحرية Sons of Liberty»- كحركة كبرى للمقاومة ومقاطعة السلع البريطانية ومنع استيرادها وحرق طوابع الدمغة بقيادة عدد من الذين اعتبروا فيما بعد من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية الذين أصدروا «إعلان حقوق المستعمرات الأمريكية».

وتمخضت المقاومة الشعبية ضد القانون الضريبى البريطانى عن إطار دستورى غيّر وجه التاريخ تلخص فى مبدأ «لا ضريبة بدون تمثيل» «No taxation without representation» أى أنه لا يحق لأى برلمان فرض ضريبة على فئة ما إلا بوجود ممثلين لهذه الفئة فى البرلمان، واضطر البرلمان البريطانى لإلغاء ضريبة الدمغة فى 17 مارس 1766 بعد عام من فرضها، وأقام مواطنو المستعمرات الأمريكية الاحتفالات ببدء الاعتراف بحقوقهم.

إلا أن المستعمر البريطانى لم يستسلم، فقدم المستشار المالى البريطانى «تشارلز تاونشند» فى عام 1767م قانوناً ينص على فرض ضريبة بنسبة 2.5% على السلع المستوردة من بريطانيا إلى المستعمرات الأمريكية، وتضمنت قائمة السلع الخاضعة للضريبة الشاى والزجاج والدهان والورق، ولكن هذا القانون أثار غضب سكان المستعمرات مرة أخرى، وتعبيراً عن غضبهم نظموا حملات شعبية لمقاطعة السلع التى تشملها تلك الضريبة، ونجحت المقاومة فى إلغاء الضرائب على كل السلع الخاضعة للضرائب ما عدا الشاى.

ولكن الثورة الغاضبة والرافضة للضرائب على الشاى لم تتوقف، وبلغت حركة المقاومة قمتها، واستمرت حملات المقاطعة والامتناع عن شرب الشاى البريطانى، واتجه سكان المستعمرات لشرب الشاى الهولندى المُهرب، حتى إن حصيلة الضرائب السنوية على الشاى لم تزد على أربعمائة جنيه إسترلينى رغم أن الحصيلة الضريبية المتوقعة كانت تتعدى 20 ألف جنيه إسترلينى.

ومع استمرار الحراك هاجم الغاضبون سفن شركة الهند الشرقية -المستورد الرئيسى للشاى البريطانى- وألقوا حمولتها من الشاى فى الماء، مما دفع الحكومة البريطانية لفرض مجموعة من الأحكام الصارمة من أجل إخماد الثورة إلا أن هذا أدى إلى تصعيد الأحداث ونشوب الحرب بين بريطانيا والمستعمرات الأمريكية، إلى أن اضطرت الحكومة البريطانية فى عام 1770م إلى إلغاء الضرائب المفروضة على الشاى.

ورغم ذلك استمرت المقاومة داخل المستعمرات ضد التاج البريطانى، فكانت الضرائب بداية الطريق الذى قاد إلى الاستقلال الأمريكى بإعلان الاستقلال الصادر فى الرابع من يوليو 1776م.

هذه الحكايات ليست صُنع كاتب محترف أراد للخير أن ينتصر فى نهاية الرواية، ولكنها أحداث سجلها التاريخ وشهدت عليها الشعوب، وأكدت أن الضرائب هى الكلمة السحرية فى قصص التاريخ القديم.

نستكمل حكايات الضرائب فى كتب التاريخ فى الحلقة القادمة.

                              * خبير الضرائب الدولية ونائب وزير المالية السابق