هنا ماسبيرو
- علا الشافعي
- ماسبيرو
- التلفزيون المصري
- صوت القاهرة
- ماسبيرو زمان
- علا الشافعي
- ماسبيرو
- التلفزيون المصري
- صوت القاهرة
- ماسبيرو زمان
"هنا ماسبيرو" من لم يدخل هذا المبنى ويتجول في أروقته فاته الكثير، "ماسبيرو" ليس هو ذلك المبني القابع على كورنيش النيل فقط، والذي يعد واحدا من أضخم المباني العمرانية بل إنّه يماثل مدينة بطرقاته ومكاتبه، ومن لا يعرف خريطة الحركة داخله جيدا سيتوه داخل دروبه بلا شك.
"ماسبيرو" هو تاريخ بلد مرّ بمراحل تاريخية مختلفة، وأحداث مفصلية، بلد كان يفور بالثورة وتتبدل ملامحه ويموج بالحس الوطني والقومي والعروبي، "ماسبيرو" لم يكن على مدار تاريخه شاهدا على تلك الأحداث فقط بل كان فاعلا ومؤثرا، وساهم في تشكيل ملامح ذلك المجتمع الوليد في حينها حيث كان يتحول من الملكية إلى الجمهورية.
ذلك الحس الوطني والقومي كان هو الرابط بين كل من عملوا لخاطر هذا المشروع العملاق، والذي بدأ بث برامجه في العام 1960 رغم أنّ قرار بدء إرساله اتخذ شكل أبكر في أواسط الخمسينيات، إلا أنّ العدوان الثلاثي على مصر تسبب في تأخير العمل في إنشاء التلفزيون المصري.
وأذكر جيدا ما كان يسرده جيل الرواد على أذني وبينهم المخرج المخضرم محمد فاضل، وكيف أنّهم تحملوا الكثير وكانوا يصعدون على "السقالات" لعدم اكتمال المبنى، الذي لم يكن جاهزا بالكامل حيث بدأ البث دون اكتمال الأعمال الإنشائية ومعظم التجهيزات داخل الاستوديوهات، وكيف أنّهم كانوا يصلون الليل بالنهار من أجل صناعة محتوي درامي، يليق باسم مصر وأول تليفزيون ينطلق في المنطقة العربية والشرق الأوسط في حينها.
كان جيل الرواد من الحالمين، والراغبين في صنع ما يليق بمصر في هذه المرحلة، لذلك ماسبيرو بالنسبة لهذا الجيل وما تلاه من أجيال ليس مجرد مبنى أو محتوى يتم تقديمه سواء كان برامجي أو درامي بل هو سلسلة من الآمال والطموحات التي لم يتوقف صانعوه يوما عن العمل الدؤوب لذلك واصلوا المشوار"ماسبيرو" ليس اسما بل هو تاريخ وذكريات مبني تشكل بمجهودهم، وبات يحمل الكثير من ملامحهم، جدران احتضنت الكثير من الذكريات والإنجازات في هذا الاستوديو كانت تجلس "ليلى رستم، وأماني ناشد، وسلوى حجازي"، من هذا الباب دخل العقاد وطه حسين، ومصطفى أمين، ويوسف إدريس والسباعي، وحليم، وفريد، وأم كلثوم، وهنا بدأ نور الشريف وصلاح السعدني وغيرهم.
أحلامهم وأولى خطواتهم في طريق النجومية، وداخل استوديو 10 صوّرت كلاسيكيات الدراما المصرية، وفوازير رمضان وغيرها من السهرات التليفزيونية والأفلام.
في الدور الثالث كان صوت المكينات في ورش الأزياء يصنع لحنه الخاص، مصممو الأزياء يتنقلون بين البلاتوهات والورش للاطمئنان على سير العمل وإنجاز أزياء الأعمال المختلفة التي تصور داخل استوديوهات "ماسبيرو" أو "صوت القاهرة"، ذلك اللحن كان ينافسه لحن آخر يتصاعد من ورش النجارة والديكورات، وهذه هي إدارة برامج الأطفال "ماما نجوى، وماما عفاف، وبابا ماجد، ومسرح التليفزيون".
وفي هذه الأروقة كان يمر كبار المذيعين وقارئو النشرة من المعلمين وقيادات ماسبيرو، في هذا المبني كانت تصنع النجوم ليس فقط نجوم الدراما والسينما والأغنية بل أيضا نجوم ونجمات الإعلام بعضهم تولوا أيضا قيادة ذلك الصرح ومنهم "تماضر توفيق، وسامية صادق وسهير الأتربي، وزينب سويدان"، أجيال تسلم أجيال في المجالات والأفرع الفنية كافة، حياة كاملة داخل هذا المبني لم تكن تتوقف عن النبض والتفاعل لتنتج المزيد من الأعمال الإبداعية.
ماسبيرو هو أيضا الوجدان الجمعي والوعي اللذان تشكلا على مدار تاريخه من خلال دوره الثقافي والتنويري، من يدرك كل تلك المعاني وغيرها يعرف حقا قدر وقيمة ماسبيرو، وأهمية وضرورة الحفاظ عليه ليس فقط لتاريخه بل لأنه قادر حقا على صنع التغيير، والمساهمة بشكل كبير في إرساء الكثير من القيم، فقط إذا توفرت له إدارة تملك الكثير من الفهم والوعي وتعرف قيمة هذا المبني بما يتضمنه من طاقات بشرية، وثروات فنية، (رغم ما تم نهبه من مكتبته على مدار تاريخه) فهو لا يبوح بسره سوي لمن يحترمه ويعرف أهميته، وبنظرة متأملة ستجد أن ذلك المبني لفظ كل من تعالي عليه، ومن لم يعطه ما يستحق.
"ماسبيرو" يستحق الحفاظ على ما تبقى منه والعمل على تطويره، وترميم المواد المتبقية، سواء كانت درامية أو برامجية، والتفكير بشكل مختلف من أجل الاستفادة من موقعه وما يضمه من استوديوهات وأجهزة بث وطاقة بشرية تعرف جيدا كيف تدير تلك المنظومة هم فقط يحتاجون للثقة فيهم وما همم قادرين على فعله.