عندما يتحكم إيصال الكهرباء فى حياتك

قررت أن أنقل عدادات الشقة باسمى، لأكون مواطناً شريفاً، وأضع العنوان الصحيح فى بطاقة الرقم القومى، فبدأت بإيصال الكهرباء، باعتباره الأكثر اعتماداً وموثوقية فى كل المصالح الحكومية.

كان الزحام كفيلاً بقتل الإنسان اختناقاً، بإسفكسيا العرق، المتصبب من أجساد الجميع، فقد كانت التكييفات دائرة، لكن الشبابيك والأبواب كلها مفتوحة.

وصلت إلى «الشباك اتنين»، الذى أشار إليه موظف الأمن، الذى نصحنى بأن أجهز رسوم نقل العداد 12 جنيهاً و35 قرشاً، حتى لا أضيع وقت الموظفين، فى البحث عن «الفكة».

قلت للموظف المدخن: مساء الخير، فلم أسمع سوى صوت صرصور الحقل يدوى فى رأسى، انتظرت دقيقة، حتى وجدت يداً حنوناً تربت على كتفى ويقول لى صاحبها يا أخ عبدالفتاح قول السلام عليكم، إنت مش مسلم والا إيه؟

أردت أن أسأله كيف عرف اسمى، لكنى قررت أن أنزل على رغبته، فقلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإذا بالموظف ينظر لى بعين مفتوحة وأخرى مغلقة بفعل دخان السيجارة المدلاة فى فمه.

قلت: عاوز أنقل العداد «باسـ..». لم ينتظر الموظف حتى أنهى جملتى، وقال: شباك 5، تبدل صوت صاحب اليد الحنون وصار أكثر حزماً، وقال: قالك شباك خمسة، يعنى تروح شباك خمسة ما تعطلش الدنيا يا «خواجة».

خواجة؟!!، آثرت السلامة، ولم أفسر الكلمة بمعناها السيئ، وأمام شباك خمسة ألقيت تحية الإسلام، فرد الموظف ببضع كلمات، فهمت منها الكلمة الأولى «وعليكو» فقلت: أنا ساكن فى الحى السابع و«عا..». لم ينتظر أن أكمل الجملة، وقال شباك تسعة.

قلت: زميلك فى شباك اتنين.. فنظر إلىّ باستخفاف، ثم رفع صوته وقال يا حودة الحى السابع فى أى شباك، فرد عليه أحد الجالسين على مكتب خلفه: تسعة.

توجهت إلى شباك تسعة، قلت له أنا فى الحى السابع وعاوز أنقل العداد باسمى، فاختفت الابتسامة، وقال لى ومين اللى قالك تيجى هنا، قلت له الأستاذ فى خمسة، حتى الأستاذ حودة أكد كلامه، فصرخ: الحق يا هيمة، حودة بيرمى علينا الناس، فوقف الأستاذ هيمة وصرخ وقال: إيه يا حودة لو عاوزنا نعملك شغلك قول.

وقبل أن تنشب خناقة بين حودة وهيمة، أشار رجل جليل له هيبة يحمل سمتاً سلفياً، أشار لهما فذهبا إليه، وبعد دقائق، قال موظف الأمن: الريس عايزك، فقلت له هو الموضوع وصل لكدة، فقال: رئيس الصالة يا أستاذ، قلت: أنا افتكرت رئيس الشركة.

ذهبت إلى الريس الوقور، وطلب إيصال الكهرباء، الذى أمسكه بشكل متمعن، ثم أخرج من درج مكتبه دفتر طوله متر إلا قليلاً، وأخذ يقلب أوراقه، ثم سألنى: إنت موظف فى شركة دولسى؟ قلت لا، قال معاك توكيل من شركة دولسى؟ قلت لأ، قال معاك عقد مسجل من شركة دولسى؟ قلت لا، فقال يبقى إنت ملكش أى صفة عندنا.

حاولت أن أؤكد وجهة نظرى بمستندات الشقة المعتمدة، فنظر بعد أن أخرج علبة سجائر «باين» المهربة، وقال: خليك مكانى أصدق ورقك أم أصدق ورق شركة الكهرباء، قلت بلا تردد: طبعاً تصدق ورق الكهرباء.

قررت اللجوء إلى «واسطة» باعتباره خياراً استراتيجياً لا مفر منه، فنصحنى زميلى المحترم محمد الزينى وطلب منى التوجه للأستاذ عبدالرحمن الذى سينهى المشكلة فوراً.

ابتسم الرجل وقال: تنزل شباك أربعة تقدم طلب عداد جديد، وتدفع الرسوم وخلال ساعات هيركب العداد باسمك، فوراً نفذت تعليماته، وأمام الخزينة وضعت الـ12 جنيهاً ونصف أمام الموظف، فقال لى إيه ده يا أستاذ، قلت له الرسوم.

أخرج ورقة من فوق مكتبه مكتوباً فيها رسوم العداد 1200 جنيه، فقلت له أنا عندى عداد أصلاً ومستحيل أدفع فلوس عداد تانى، فقال: قصادك حل من اتنين يا تمشّى حالك بالعداد القديم والإيصال يجيلك باسم شركة دولسى، يا تدفع 1200 جنيه ويجيلك إيصال باسمك.

بعد لحظات قلت لنفسى: ويعنى إيه 1200 جنيه، فى مقابل إنى أكون مواطن شريف، عنوانه الحقيقى فى بطاقة الرقم القومى.

أمسكت موظفة السجل المدنى الأوراق وقالت إيه العنوان ده، فين إيصال الكهرباء، وبثقة متناهية منحتها الإيصال، فقالت إيه ده يا أستاذ أنا عاوزة الإيصال الأزرق، ده إيصال فورى الأبيض، وقبل أن أستوعب الصدمة، شطبت العنوان الجديد وأعدت كتابة العنوان القديم!!