جرائم الكراهية الكامنة خلف التنمر
الفرق ما بين «التنمر» و«التحرش اللفظى» خيط رفيع، أنهما جريمتان قد تتضمن إحداهما اللمز والإشارات والألفاظ الجنسية أو العنصرية والتمييز، وهى فى مجملها عبارة عن فعل «إقصائى»، قد يتدرّج حتى يصبح عنفاً دينياً ومذهبياً وعرقياً، أو انتهاكاً لحقوق النساء.. وكل هذا يندرج -فى الدول المتقدمة- تحت لائحة «جرائم الكراهية».
سأحاول أن أبين الفرق بمواقف واقعية هزت المجتمع المصرى، (أو على الأقل ضمير الإنسان المتحضر فيه).. الأول يتلخص فى جمل موجعة قالها نجم النادى الأهلى «عمرو السولية» الذى قال عبر حسابه الشخصى على مواقع التواصل الاجتماعى: «ليلى بنتى عندها ٣ سنين ونص «لسه قالعة البامبرز من كام شهر» الكلام ده بيتقال على طفلة!! إيه اللى يخلى (بنى آدم) خنزير ممكن يبص على لبس طفلة ويركز غير إنه فعلاً خنزير؟! إيه المرض ده».
كانت التعليقات على صورة «ليلى» كلها تحمل كلمات جارحة، الصدمة أنها تتحدث عن ملابس طفلة صغيرة، وتطالبها بالاحتشام، وتتهم «السولية» بعدم تربيتها.. إلخ قاموس البذاءة المرتبط مباشرة بالغريزة الحيوانية التى يشحنها أمثال «عبدالله رشدى وياسر برهامى وغيرهما».. وثقافة النخاسة ومفاخذة الصغيرة التى يروج لها مهاويس هتك أعراض النساء ولو «بكلمة»، وانتهاك شرف «المشاهير» بالطعن والتطاول.. ليعلم «العامة» أنه لا حصانة لأحد ضد سيوفهم المسمومة التى تذبح الفضيلة علناً باسم «رفع راية الدين»!.
كان «السولية» فطناً لما يحدث، فقال: «دول اللى لما بيكبروا بيكونوا مغتصبين ومتحرشين، واللى بنخاف على بناتنا وأهلنا ينزلوا الشارع عشان مايتعرضوش لأذاهم، أتمنى الشيوخ اللى بيبرروا للتحرش ولبس البنت يكونوا مبسوطين دلوقتى».. وقرر التقدم ببلاغات ضد أصحاب الكومنتات حماية لبناته.
هذا النموذج يُصنَّف قانوناً بأنه «تنمر إلكترونى» ويخضع لمراقبة «مباحث الإنترنت» التابعة للإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية.. ويُعاقب عليه بالحبس والغرامة.
لكن القانون أيضاً يفرّق فى الألفاظ المسيئة التى تم توجيهها للشخص على السوشيال ميديا، ويضع خطوطاً فاصلة ما بين التمييز بين الأفراد أو طائفة من الناس بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين، وبين التحرش الجنسى الذى يحتوى على ألفاظ خادشة للحياء.. فما حدث ضد «ليلى السولية» هو تحرش بكل المقاييس القانونية المتعارف عليها.
«استر بناتك، نحن فى مصر» هكذا علقت إحداهن على بنات النجم «شريف منير»، لترد عليها أم أخرى قائلة: «أليس من حق الأب أن يفتخر ببناته، كاميليا 12 عاماً وفريدة 16 عاماً. هل أزعجكم قميص بدون أكمام؟ ما العيب فى هذه الصورة؟ مفهوم الستر والرجولة مختل لديكم».. فى البداية ضعف «شريف منير» أمام الضغط العصبى والتجريح فى عرض بنتيه، ثم عاد ليواجه الرأى العام، متوعداً بمقاضاة أصحاب التعليقات المسيئة.
الواضح من الواقعتين أننا أمام «إرهاب» للمجتمع من خلال النيل من كرامة الرجال بنهش أجساد بناتهم بألسن تردد ثقافة «داعش».. وأننا أمام لجان إلكترونية ممنهجة تابعة لتيارات «السلفية التكفيرية والإخوان» تحارب الدولة المدنية فى «أعز ما تملك» وأعنى «النساء».
المسألة ليست فى فرض المفاهيم الذكورية السلطوية، بل هى فرض «وصاية دينية» على المجتمع، وكأن فئران الإنترنت تحولوا إلى هيئة «للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر».. ومن خلفها موسوعة من فتاوى «عنبر المجانين» الذى يتزعمه «عبدالله رشدى» مستغلاً ملل الناس من طول فترة التقاضى، وهو ما يجعل «القانون» غائباً تماماً عن ساحة المعركة.. ومروّجاً لما فى كتب التراث من «أحقر أساليب النكاح» التى لم تفلت من ممارستها بهيمة ولا طفلة ولا عجوز ولا جثة!.
أما «التنمر» فهو مختلف تماماً عما ذكرته من نماذج، إنه أقرب ما يكون إلى تعريف «ويبستر» لجرائم الكراهية، وهو التعريف الذى تتبناه غالبية البلدان، وهى جرائم الاعتداء أو التشويه التى تُرتكب ضد فرد أو مجموعة بسبب اللون، أو العقيدة، أو الجنس.. ونحن نعيش يومياً جرائم متعددة (يحميها القانون أو يتجاهلها) على رأسها «تكفير الأقباط» أو التحريض على استحلال أموالهم وممتلكاتهم وأعراضهم وهدم كنائسهم.
وليس غريباً أن تجد أيضاً نفس الشخص «عبدالله رشدى» فى صدارة مشهد التكفير، لأن الهدف واحد وهو تفتيت «مدنية الدولة» وزعزعة استقرارها.
سترى التنمر أيضاً فى سخرية الفنان «ماجد المصرى» من الأفارقة، فى النكات التى نطلقها دون أدنى قدر من المسئولية على الصعايدة، والتحدث بدونية عن المرأة.. هكذا يتم تفكيك المجتمعات ومعاداة الإنسانية وغرس «العنصرية» فى اللاوعى.. والنتيجة أن ترى وطناً ممزقاً، (لأن المكون الأساسى وهو الفرد سيكوباتى)، لكنه وطن يرتدى عباءة دينية ويتشدق كثيراً بالحريات وحقوق الإنسان.. بينما بعضه يكفّر بعضه ويزدريه ويتحرش به وينقضّ عليه فى لحظة جنون بكل وحشية.
قل تنمر.. تحرش لفظى.. فتاوى عدائية.. ستجدها جميعاً جرائم «تحريض على الكراهية»، يُعاقب عليها القانون فى معظم دول العالم إلا فى مصر المحروسة.. برغم المؤامرات الداعشية المفضوحة.