«هالة السعيد»

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

عادة ما نتعمد عدم الخوض فى أى حديث عن شخصيات المسئولين الذين نعمل معهم، ما داموا مستمرين فى مناصبهم وما دمنا نحن ما زلنا نتعاون؛ لأن هذا قد يصبغنا بصفات غير لائقة، ويلصق بنا تُهماً ليس أقلها التملق وليس أكثرها النفاق.. عموماً لكل قاعدة استثناء، والعبرة باختيار التوقيت المناسب.

أكملت ثلاثة أعوام من العلاقة المهنية الإنسانية مع شخصية متميزة وأحد المسئولين الحكوميين البارزين علماً وإنجازاً.. الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

«هالة السعيد»، وزيرة ابنة وزير وحفيدة وزير.. شغلت بنجاح عدداً كبيراً من المناصب المرموقة منها: المدير التنفيذى للمعهد المصرفى المصرى، ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز السعودية.. وخلال مشوارها، كانت عضو مجلس إدارة فى 23 مؤسسة مهمة، منها: البنك المركزى المصرى، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وهيئة البريد القومى.. حياة مُشرفة تؤهل صاحبها للمزيد من الإنجاز والعطاء.

لم تنفصل «هالة السعيد» عن الناس ومشكلاتهم ومشاغلهم، وربما يكون أصل السبب فى ذلك هو العادة التى حرصت أسرتها عليها لسنوات طويلة، فقد اعتادوا كل عام، بعد انقضاء وقت المصيف، أن يوجدوا لفترة فى بيت والدتها فى قرية «الحميدية» بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، ثم فى منزل والدها بقرية «الحاكمية» بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية.. «هالة السعيد» التى تحظى باحترام وتقدير كل المؤسسات الدولية هى فى الواقع الابنة النجيبة للقرية المصرية العظيمة.. وهى توليفة باهرة من صفات كثيرة تفاعلت معاً لتُخرج منتجاً فاخراً يُشرف مصر والمرأة المصرية.

حب الاختلاط بالناس صقله العمل الأكاديمى، والتفاعل مع الطلاب، مما مكنها أكثر من إتقان تقنيات التعامل مع الناس. هى ليست من نوعية المسئول «اللزج» الملتصق بالكرسى.. محيط مكتب وزير التخطيط ليس بؤرة للشد العصبى و«الكهرباء»، بل هو مكان لنا فيه مغامرات وذكريات تغلفها المحبة والتعاون.

«هالة السعيد» هى آخر شخص يهتم بالمظاهر. وزيرة التخطيط المصرية ترفض مرافقة عدد كبير من الزملاء لها فى مهمات العمل، داخل مصر أو خارجها، تكتفى بزميل أو اثنين فحسب لمساعدتها، هى لا تعرف مبدأ «الخيلة الكدابة». كما تمنع تماماً أن ترافقها أكثر من سيارة واحدة، ولو كان الأمر بيدها لتخلت عن الحراسة الشخصية أيضاً، بينما أعرف وزراء، لوزارات غير سيادية، يسيرون فى ركاب من ست سيارات وأكثر.. بل إنها ترفض كذلك أن يقوم سائق السيارة باستخدام «السارينة» للإعلان عن أهميتها لتنفتح لها الطرق.

ينسحب هذا التواضع على كل شىء. فمثلاً: حين تكون، بحكم موقعها، على رأس اجتماعات يحضرها وزراء زملاء لها، تشدد على عدم استخدام كلمة «تترأس» فى الإعلام، رغم أن هذا حقها الطبيعى والعادى، لكنها ترى أن هذه هى مبادئ الأصول والذوق.

سألتنى مرة عن حال زملائى من أعضاء فريقى، قلت لها إن عدداً منهم لديه بعض المشكلات، ردت بأنه لا بد أن نحل كل مشكلاتهم لأنهم «أهالينا» (كانت تتحدث عن زملاء ليس لها احتكاك مباشر بهم).. «هالة السعيد» واثقة للغاية من قدراتها ومحتواها المعرفى المتنوع، ولذلك فهى تعطى لمن حولها تمكيناً عميقاً، وتفويضاً حقيقياً، والحساب عندها بمُجمل الأعمال وليس بالموقف.

قريباً سأصدر كتاباً عن الأعوام العشرة السابقة وكواليسها السياسية، وسيكون به فصل كامل عن هذه الشخصية الاستثنائية.. قضيت مع «هالة السعيد» زمناً أكثر من وقت أى عمل آخر مارسته، لم يعد الباقى بقدر الفائت، ولذلك قدمت لمحة من شهادتى عن مسئولة رائعة وإنسانة جميلة نفخر بأنها ابنة القرية المصرية، التى لم تنفصل يوماً عن مجتمعها وقضاياه.