حكاية "قها للأغذية" مع "الزعماء".. أسسها "ناصر" و"السيسي" منحها قبلة الحياة

كتب: محمود الجمل

حكاية "قها للأغذية" مع "الزعماء".. أسسها "ناصر" و"السيسي" منحها قبلة الحياة

حكاية "قها للأغذية" مع "الزعماء".. أسسها "ناصر" و"السيسي" منحها قبلة الحياة

"قها للأغذية والمشروبات"، ليس مجرد عنوان شركة أتى عليها الزمان، ولكن تاريخ طويل لمشروع وطني يعكس ملامح  مصر ما بعد الاستقلال، تجربة امتدت لـ80 عاما شهدت العديد من التغيرات التي طرأت على الاقتصاد المصري منذ اندلاع ثورة يوليو مرورا بالانفتاح الاقتصادي في أواخر سبعينات القرن الماضي وصولا إلى الخصخصة لتسقط في فخ المنافسة مع القطاع الخاص.

قبلة حياة منحها الرئيس عبدالفتاح السيسي لشركة قها للأغذية والمشروبات، بعد مرور 22 عاما من نجاتها من قطار الخصخصة عام 1998.

خطة متكاملة بدأتها الحكومة لتطوير شركة "قها" التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، بعد تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمجلس الوزراء بوضع استراتيجية شاملة لتطوير مجموعة من الشركات الوطنية على رأسها شركتي "قها" و"أدفينا".

تعزيز قيمة المنتج الوطني.. السيسي يوجه بدعم شركات "القابضة للصناعات الغذائية"

ووجه الرئيس  عبد الفتاح السيسي في 22 يونيو الماضي، الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بإعداد تصور شامل لعدد من الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، خاصة شركتي "قها" و"إدفينا"، من أجل استعادة إنتاجهم المتميز، وتعزيز قيمة المنتج الوطني في السوق المحلية وزيادة قدراتها التنافسية، وتعظيم الفرص التصديرية.

وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، في بيان صادر عنه آنذاك، إن الرئيس السيسي وجه باختيار مواقع مجمعات ومصانع الإنتاج الغذائي بحيث تتوفر لها كل سبل النجاح وضمان استدامة تميز الإنتاج، من حيث قربها من الموانئ  والطرق والمحاور، وكذا مزارع الإنتاج لتوفير المواد الخام وتسهيل عملية نقل المنتجات، أخذاً في الاعتبار البنية التحتية الحديثة التي باتت تتمتع بها مصر في هذا المجال على امتداد الجمهورية.

وكشف مصدر مسؤول بوزارة التموين والتجارة الداخلية لـ "الوطن"، عن أن الوزارة بدأت في اليوم التالي لتوجيهات الرئيس، العمل على خطة إعادة هيكلة شاملة لشركتي "قها" و"إدفينا"، مضيفا أن تنفيذ إعادة الهيكلة سيجري عبر استراتيجية متكاملة لإعادة الشركتين العريقتين إلى الحياة من جديد باعتبارهما ضمن شركات تعد أمنا قوميا مصريا ظهرت أهميتها في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.

لم تكن "قها" مجرد شركة للصناعات الغذائية والأغذية المحفوظة فقط، بل ارتبطت بأجيال  كثيرة من المصريين الذين بمنتجات تعلقوا بمنتجاتها التي كانت تغمر السوق المحلية بمنتجات العصائر والمشروبات والمربات.

 الشركة العريقة سقطت في فخ المنافسة الشرسة مع عشرات الشركات بالقطاع الخاص مع مطلع الألفية الحالية، نظرا لقلة الإمكانات المالية والفنية، ما أدخلتها نفق الخسائر فضلا عن تقادم المعدات وانفصالها عن الحداثة والتكنولوجيا.

تعود قصة تأسيس "قها" إلى خمسينيات القرن الماضي، مع تولى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقاليد حكم مصر، بعد عامين تقريبا من اندلاع ثورة يوليو عام 1952.

انصب اهتمام  الزعيم الراحل  جمال عبد الناصر طوال فترة حكمه بتعظيم المنتج المحلي في مواجهة قوى الاستعمار واهتم بتأسيس الشركات القومية. وكانت فكرة تأسيس الشركات القومية الوطنية التي تديرها الدولة بشكل كامل هي الشغل الشاغل للرئيس الراحل "عبد الناصر" واستهدفت كل القطاعات الاقتصادية، مثل قطاع الصناعات المعدنية فأسس مجموعة من الشركات على رأسها "الحديد والصلب" و"مصر للألمونيوم"، بينما في قطاع الغزل والنسيج أسس عددا من الشركات على رأسها" المحلة للغزل" وفي قطاع الأغذية والمشروبات أسس العديد من الشركات من بينها "قها" و"ادفينا".

أغلب الشركات التي أسسها "عبد الناصر"  تعثرت مع  تغير النظام الاقتصادي التي تنفذه مصر وبدأت في تحقيق الخسائر عاما بعد عام، ما اضطر الدولة إلى تنفيذ برنامج موسع للتخلص من الشركات الخاسرة باعتبارها أصبحت عبء على الدولة في إطار برنامج شامل وصف ببرنامج "الخصخصة" مع مطلع التسعينيات وحتى عام 2010 قبل أن يتوقف.

وقال مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق (مهندس برنامج الخصخصة في التسعينيات )، إن شركة  قها كانت تابعة للقطاع الخاص في فترة ما قبل الخمسينيات.

وأضاف خطاب لـ "الوطن "أن الشركة  دخلت ضمن الشركات التي أممت بجانب تأمين قناة السويس بعد عام 1956، وبدأت الحكومات التي أعقبت فترة التأميم في تطوير الشركتين (أدفينا وقها) بشكل كبير حتى استطاعت السيطرة على قطاع الأغذية والمشروبات  في مصر والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل في فترتي الستينيات وحتى منتصف التسعينيات.

وأشار إلى أن النظام الاقتصادي في مصر آنذاك ساعد  "قها"، على الاستحواذ على قطاع الأغذية والمشروبات في مصر في تلك الحقبة.  

مهندس "برنامج الخصخصة": "قها" كانت مورد الأغذية الرئيسي للجيش في "67 و73"

وأوضح  "خطاب" الذي عرف بمهندس "برنامج الخصخصة"، أن مصر كانت تتبع نظاما اقتصاديا اشتراكيا ذو تخطيط مركزي احتكاري يمنع دخول شركات القطاع الخاص في منافسة الشركات الوطنية، خصوصا في القطاعات الاقتصادية الرئيسية على سبيل المثال صناعات الغزل والنسيج والحديد والصلب والأغذية والمشروبات والتبغ والدخان.

ولفت إلى أن هذا النظام ساعد شركتي "قها وإدفينا "على التوسع  بشكل كبير، حتى بدأت شركة قها في تصنيع الوجبات الساخنة الطازجة المطبوخة، مضيفا: "كانت تصنع وجبات من الخضار واللحم المحفوظ وأصبحت هي المورد الرئيسي للجيش المصري في حرب عام يونيو  1967 ثم حرب أكتوبر  1973، ثم انطلقت لتقديم نفس الوجبات إلى الدول العربية نظرا للطبيعة الصحراوية التي تغلب على أغلب الدول العربية علاوة على المذاق الجيد  للخضروات المصرية التي تمتع بمذاق يجذب العرب حتى الآن".

خطاب: الانفتاح الاقتصادي أسقط الصناعات الوطنية

كانت  ثورة التصحيح والانفتاح الاقتصادي الذي اعتمده الرئيس الأسبق محمد أنور السادات في عام 1974 سمح  للقطاع الخاص بالدخول بشراسة في منافسة الصناعات الوطنية، التي لم تتحمل شركاتها ذات النزعة الاحتكارية على مجابهة قدرات القطاع الخاص الرأسمالية أو التسويقية بالتزامن مع تهالك وتقادم المعدات لتدخل نفق الخسائر وعدم القدرة على الاستمرار، وهكذا بدأ "أفول نجم (قها)"، بحسب خطاب.

وتابع بأنه في عام 1991 ومع بداية تنفيذ برنامج الخصخصة "عرضنا شركتي قها وادفينا للبيع والتقييم،  وجرى طرحهما للبيع أكثر من مرة، ولم يقدم عرض مناسب، ولكن في عام 1999 تقدم مستثمر بعرض لشراء الشركة بسعر أعلى من التقييم".

ولفت "خطاب" إلى أن المستثمر تعثر في سداد قيمة الصفقة لسنوات عدة "ما أجبرنا على استرداد الشركة من جديد بعد رفع دعاوى قضائية لتعود الشركة من جديد إلى الدولة، وبعد ضخ تمويل للتجديد استمرت الشركة تعمل حتى الآن كشركة وطنية ولكن تعمل وفقا الإمكانيات ضعيفة لا تساعدها على منافسة الشركات المتخصصة في قطاع الأغذية من قطاع الخاص".

وقال حسن كامل، الرئيس الأسبق للشركة القابضة للصناعات الغذائية، إن شركة  "قها" تمتد بجذورها في تاريخ وجدان الشعب المصري، موضحا أن الشركة حتى قبل التسعينيات ببضع سنوات كانت تغطي احتياجات السوق المحلية من الأغذية المحفوظة والمشروبات  بنسبة تزيد على الـ80 %.

وأشار إلى أن "قها " أنشئت في عام 1940 وبدأت بمصنع واحد فقط تحت مسمى "المصنع المصري للأغذية"، وفي عام 1962 جرى تأسيس شركة مساهمة باسم "النصر للأغذية المحفوظة" وانضمت إلى قطاع الأعمال المصري عام 1991 تحت اسم "قها للأغذية".

خطة لإعادة هيكلة الشركة.. وشركة عالمية تتولى ملف التطوير

وكشف مصدر مسؤول بالشركة القابضة للصناعات الغذائية لـ"الوطن"، إن الشركة  بدأت خطوات إعادة الهيكلة منذ عام تقريبا، حيث جرى إسناد ملف التطوير إلى شركة عالمية  للاستشارات المالية وإعداد الدراسة الكاملة لتطويرها.

ولفت إلى أن الدراسة تتضمن التدريب الشامل للعمالة بمختلف درجاتهم الإدارية والفنية حتى لا يجري فصل عمال  من الشركتين، مشيرا إلى إعادة تأهيل خط إنتاج "الفول المحفوظ" المتوقف عن العمل منذ عام 2000 لتصل طاقته الإنتاجية إلى 300 طن شهريا، مع إعادة تشغيل خط التجميد في مصنع أبو كبير، وإعادة تشغيل خط تصنيع العلب بمصنع الطابية بمحافظة الإسكندرية.


مواضيع متعلقة