إيران والتكنولوجيا النووية (3)

بداية من شهر نوفمبر عام 2002، بدأ الصدام بين إيران من جانب وبين أمريكا ودول غرب أوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جانب آخر، وقد شاهدنا جميعا أن هذا الصدام أخذ جوانب عديدة، منها جوانب سياسية وقانونيةً كانت من خلال التفاوض مع مجموعة 5+1 وكذا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم شاهدنا التهديد العلنى بعمل عسكرى من قبل أمريكا وإسرائيل، كما أننا لا ننكر أن هناك جوانب أخرى لم نشاهدها وهى جوانب خفية وأعمال استخباراتية. فى مايو2003، اكتشفت محطة تجريبية سرية لفصل النظائر باستخدام الليزر فى لاشكار أباد Lashkar Abad، انشئت المحطة فى عام 2002، والمحطة تحتوى على معدات ليزر بخار النحاس copper vapor lasers CVL، والتى تم تصميمها لإنتاج مستويات من التخصيب تتراوح ما بين 3.5% الى 7%، وتمت تجارب على تخصيب اليورانيوم، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA، ان هذه المنشأة سيكون بمقدورها انتاج يورانيوم عالى التخصيب (HEU) بمجرد تركيب كل المعدات. وكانت إيران وقعت عقد فى عام 1998 مع هيئات روسية للحصول على معلومات بخصوص فصل النظائر ببخار الليزر الذرى atomic vapor laser isotope separation AVLIS، ولتوريد المعدات اللازمة. قام معهد سان بطرسبرج يفريموف NIIEFA St. Petersburg Yefremov Institute التابع لشركة روس آتوم الروسية، بتوريد غرفة تفريغ (5 متر طول، 1 متر قطر) مجهزة ببعض مضخات التفريغ الانتشارى للحصول على تفريغ عالى داخل الغرفة. قام المورد الروسى بتنفيذ برامج تدريبة، وتوريد وثائق المشروع، وطبقا للعقد فان امكانيات النظام المورد سينتج يورانيوم مخصب بنسبة من 3.5% الى 7%، وسينتج 1 كيلوجرام خلال السنة الأولى للتشغيل. ونتيجة لضغوط أمريكا، قررت الحكومة الروسية أنها لن تمنح المورد الروسى حق تصدير بعض المعدات، وخاصة جهاز ليزر بخار النحاس CVL حتى قدرة 150 كيلووات، وبعض الأجزاء الأخرى. حصلت إيران بشكل مستقل ومن موردين أوروبيين على عدد من أجهزة الليزر، من بينها ليزر بخار النحاس copper vapor lasers، كما حصلت من الصين على 50 كيلوجرام من اليورانيوم الطبيعى لاستخدامه فى تشغيل AVLIS. خلال الفترة من اكتوبر 2002الى يناير 2003، اختبرت إيران تشغيل الأجهزة بأربع دورات تشغيل بأستخدام 500 جرام من اليورانيوم الطبيعى، وتم رفع مستوى التخصيب لمستوى 0.8%. سمحت ايران لمفتشى الوكالة بدخول الموقع فى أغسطس 2003، وفى مايو 2003وقبل زيارة المفتشين قامت إيران بنقل بعض المعدات واليورانيوم الطبيعى الى موقع كاراج Karaj، لإخفاء نشاط المحطة. فى أواخر اكتوبر 2003، غيرت إيران إعلانها واعترفت للوكالة أنها أنشئت محطة تجريبية لتخصيب اليورانيوم بالليزر فى لاشكار أباد فى عام 2000، واعترفت أيضا إلى قيامها بتجارب تخصيب اليورانيوم بالليزر. زار مفتشى الوكالة لاشكار أباد Lashkar Abad فى أوائل عام 2008، وأفادوا أن معدات الليزر للأغراض الصناعية، وجاء مطابق للتقرير الذى قدمته إيران فى فبراير 2008، لكن فى 7 فبراير 2011، صرح الرئيس الإيرانى "نجاد" أن إيران "تمتلك" تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم بالليزر. فى 5 مايو 2003، أبلغت إيران الوكالة بأنها ستبنى مفاعل بحثى IR-40 قدرته 40 ميجاوات حرارى يستخدم اليورانيوم الطبيعى ويعمل بالماء الثقيل فى موقع آراك Arak، وسيبدأ البناء فى عام 2004، وسيستخدم فى إنتاج النظائر والتدريب. تصميم مفاعل IR-40، مشابهة جدا لتلك المفاعلات المستخدمة من قبل الهند وإسرائيل لإنتاج البلوتونيوم، والذى يستخدم فى تصنع الأسلحة النووية. ذكر تقرير للوكالة IAEA فى نوفمبر 2013، أن عدداً من المكونات الرئيسية للمفاعل لم يتم تركيبها بعد ومنها مضخات التبريد. وقد أشار خبراء الوكالة فى زيارتهم للتحقق من تصميم المفاعل فى فبراير 2013، الى أن دوائر التبريد ودوائر المهدئ كانت مكتملة تقريبا، على الرغم من انه فى نوفمبر 2013 كانت هناك مكونات هامة فى المحطة لم تركب بعد، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله عام 2014. وطالب مجلس الأمن الدولى بوقف بناء مفاعل IR-40، وذلك بسبب احتمال استخدامه فى إنتاج البلوتونيوم، وفى فبراير 2014 قالت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أن المفاعل لم يكن لإنتاج البلوتونيوم، وقد اقترحت أمريكا ان يتم تغيير الوقود وتخفيض قدرة المفاعل ليصبح 10 ميجاوات حرارى، لينخفض إنتاج البلوتونيوم إلى حوالى 1 كجم سنويا، فى حين سيظل المفاعل يستخدم لصنع النظائر المشعة. مفاعل IR-40 هو العقبة الرئيسية فى المفاوضات الجارية بين إيران ودول 5+1 (أمريكا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا)، حيث يستطيع إنتاج البلوتونيوم الذى يمكن استخدامه فى صنع قنبلة نووية. فى 5 مايو 2003، أبلغت إيران الوكالة بأنها ستبنى مصنع للوقود النووى فى مجمع أصفهان Esfahan، وقد بدأ البناء فى عام 2004. فى 8 أغسطس 2005، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران استأنفت نشاطها النووى لتحويل اليورانيوم بمجمع أصفهان، وذلك بعد قيام الوكالة بتركيب معدات المراقبة، وهى كاميرات وأختام يضعها مفتشى الوكالة، وهى ضمن التدابير المنصوص عليها فى اتفاقية حظر الانتشار النووى، والهدف منها هو ضمان عدم قيام المجمع بصناعة الأسلحة النووية. بذلك أصبح فى مجمع أصفهان مصنع للوقود النووى، يقوم بتحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم UF6 الى أكسيد، وهو يحتوى على ثامن أكسيد اليورانيوم الثلاثى U3O8 وعلى UO2 وعلى UO3. مجمع أصفهان يشمل ايضا محطة لتحويل اليورانيوم الطبيعى (الكعكة الصفراء) الى غاز سادس فلوريد اليورانيوم UF6، تم تشغيله فى يونيو 2006، وهو ذات سعة انتاجية 200 طن فى السنة. ومن المعروف أن رابع فلوريد اليورانيوم UF4 مركب صلب (الملح الأخضر)، وهو مرحلة وسط بين تحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم UF6 الى أكاسيد اليورانيوم U3O8 أو UO2 أو الى معدن اليورانيوم، ويجرى تحويل سادس فلوريد اليورانيوم UF6 الى رابع فلوريد اليورانيوم UF4 عن طريق اختزاله بالهيدروجين. افتتح مركز أصفهان للأبحاث النووية عام 1984 بمساعدة فرنسا، وفى 21 يناير 1991، وقعت إيران مع الصين اتفاقية لبناء مفاعل للأبحاث النووية بمركز أصفهان، وفى سبتمبر 1992، وافقت الصين على بيع مفاعلين آخرين. مركز الأبحاث النووية بمجمع أصفهان به عدد 4 مفاعلات أبحاث نووية صغيرة صينية الصنع، يتم تشغيلها من قبل منظمة الطاقة الذرية الإيرانية AEOI وهم: • مفاعل أبحاث يعمل بالماء الخفيف قدرة 30 كيلووات وهو مصدر للنيوترونات، ويستخدم لإنتاج النظائر المشعة قصيرة العمر، • مفاعل أبحاث يعمل بالماء الخفيف دون الحروجية Light Water Sub-Critical Reactor LWSCR ، تم تشغيله عام 1992 ويستخدم فى أغراض التدريب، • مفاعل أبحاث ذات قدره 100 وات (صفر) يعمل بالماء الثقيلHeavy Water Zero Power Reactor HWZPR ، تم تشغيله عام 1995، ويستخدم فى أبحاث الماء الثقيل، • مفاعل أبحاث دون الحروجية ويستخدم الجرافيت كمهدئ Graphite Sub-Critical Reactor GSCR ، تم بناءه عام 1991، ويستخدم فى أغراض التدريب. فى 9 أبريل 2009، وبمناسبة العيد الوطنى للطاقة النووية فى إيران، افتتح مصنع إنتاج الوقود النووى فى مجمع أصفهان، وبذلك تكون إيران قد أنجزت دورة الوقود النووى Nuclear Fuel Cycle كاملةً، حيث تم اختبار نوع جديد من أجهزة الطرد المركزى IR-2m تفوق قدرتها أضعاف قدرة الأجهزة السابقة IR-1، القدرة الإنتاجية للمصنع تبلغ 10 طن من الوقود النووى سنوياً لمفاعل IR-40, إضافة إلى 30 طن من الوقود للمفاعلات الجديدة والتى ستعمل بالماء الخفيف، حيث تهدف إيران إنشاء عدد من المفاعلات النووية تبلغ قدرتها 7000 ميجاوات حتى عام 2020. فى مصنع أصفهان للوقود النووى وفى شهر مايو 2009، بدأ انتاج قضبان الوقود Fuel Rods، كما تم أنتاج أول حزمة من الوقود النووىFuel Assembly لمفاعل IR-40. وفى عام 2012، استمر إنتاج كريات الوقود النووى Fuel pellets من أكسيد اليورانيوم الطبيعى، وفى نوفمبر 2013، كان قد تم انتاج 10 حزم من الوقود النووى لمفاعل IR-40 ، وهى من أصل 150 حزمة مطلوبة لملئ قلب المفاعل بالكامل. قامت إيران بإبلاغ الوكالة فى أغسطس 2010، عن عزمها تركيب أجهزة فى مجمع أصفهان لتحويل سادس فلوريد اليورانيوم UF6 المخصب بنسبة 20% الى U3O8، بغرض تصنيع وقود مفاعل طهران البحثى، لكن حسب تقرير الوكالة فى 22 مايو 2013 ، فان أعمال التركيبات لم تبدأ بعد. فى 8 يوليو 2003، اكتشفت منشأة نووية بالقرب أردكان Ardakan، وفى سبتمبر 2003 صرح مصدر مسئول فى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية AEOI، إن المنشأة هى مصنع لمعالجة خام اليورانيوم وابلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA أن المصنع سيكون تحت الاختبار فى يوليو 2004 لإنتاج من 40 إلى 50 كجم من كعكة اليورانيوم الصفراء Yellow Cake (نسبة اليورانيوم 235 القابل للإنشطار هى 0.7%)، وخام اليورانيوم المستخدم مستخرج من منجم ساغندSaghand . فى شهر يوليو عام 2004، قامت الإدارة الأمريكية بتسريب معلومات إلى الصحف الأمريكية تفيد استعدادها للقيام بإجراء هجمات استباقية ضد مواقع نووية إيرانية مفترضة. فى شهر أغسطس 2004، تناقلت وسائل الإعلام العالمية عزم إسرائيل شن هجوم ضد منشآت إيران النووية، وكان رد المتحدث باسم الحرس الثورى الإيرانى أن بلاده ستمحو إسرائيل من على الخريطة إذا تجرأت وهاجمت بلاده، وأن المصالح الأمريكية في المنطقة ستتضرر بشدة لأن ردود إيران ستكون قاسية ومدمرة بلا حدود.