رجاء الجداوى.. وداعاً أيتها «القريبة»

علا الشافعى

علا الشافعى

كاتب صحفي

لم تكن رجاء الجداوى بالنسبة لى مجرد فنانة، أو مصدر صحفى، بل دائماً ما كانت الصدفة تلعب دوراً كبيراً فى شكل علاقتنا وتطورها منذ المرة الأولى، وأن أهاتفها فى بداية مشوارى الصحفى لأسألها عن معلومة تخص خالتها الراحلة تحية كاريوكا، وبمجرد أن نطقت اسمى فوجئت بحالة من الترحيب الحار والعتاب، حيث فاجأتنى قائلة: «كده يا علا، كل دا ما تسأليش علىّ؟ عموماً وحشتينى جداً، وهسامحك عشان أنا بحبك»، وهو ما تسبّب لى فى حالة ارتباك شديدة، وبعد لحظة تنبّهت إلى أن الفنانة الجميلة تخلط بينى وبين شخص آخر، وبهدوء رددت على مسمعها: «أنا صحفية»، فضحكت رجاء بشدة: «يعنى مش علا قريبتى، بس خلاص بدال اسمك الشافعى إحنا قرايب، الشافعية قرايبنا فى بورسعيد، عرّفينى بقى انتى الشافعى من أى محافظة..». واسترسلنا فى الحديث معاً، وحكت لى الكثير، وطلبت منى أن نكون دائماً على اتصال. وصارت رجاء الجداوى قريبة لى بحكم الاتفاق الذى تم بيننا، وكانت هذه الصدفة سلسلة لصدف أخرى جمعتنى بها فى أماكن ومواقف مختلفة ومتعددة، سواء فى برنامج «القاهرة اليوم» الذى كانت تشارك عمرو أديب تقديمه مع نيرفانا إدريس، وعزت أبوعوف، ومحمد شردى وغيرهم، وأحياناً ما كنت أحل ضيفة عليها، ولكن الحلقات التى شاركتها فى تقديمها فى الأيام التى كان يتغيب فيها عمرو أديب لسفره، لتصوير لقاءات خارج مصر، كانت هى الأقرب لقلبى، حيث تعرفت إليها عن قرب، وتعلمت منها الكثير، ولا أخفى أننى كنت أتأملها فى علاقاتها مع كل المحيطين، كيف كانت شديدة البساطة و«الجدعنة»، خفيفة الروح، تجيد الحكى، ولا تبخل على أحد بنصائحها فى العمل أو فى الحياة الشخصية، وبالتأكيد ورثت الكثير من جينات خالتها الراحلة تحية كاريوكا.. كثيراً ما حكت عن ابنتها الوحيدة أميرة، وحفيدتها، ولا يخلو حوار لها من ذكر لزوجها الراحل الكابتن حسن مختار، وكانت تعتبره ملك حياتها ورجلاً لا يعوض، كانت تقدس عائلتها وهم أصحاب الأولوية فى حياتها.

رجاء الجداوى الفنانة التى كانت حاضرة بقوة فى المشهد الفنى من خلال أدوار متعددة ومتنوعة من خلال مشوار امتد لأكثر من 60 عاماً وما يزيد على 300 عمل ما بين سينما ودراما ومسرح، وأيضاً فى كافة المناسبات كانت صاحبة واجب، لم تبخل يوماً على أحد، سواء بمشاعرها، أو مواقفها الداعمة والمساندة، لدرجة أننى لم أتخيلها أبداً غير موجودة، ويصعب علىّ أن أتخيل أنها رحلت هكذا، دون وداع يليق بها، ومظاهرة حب لرد «جمايلها»، والعرفان بكل ما قدمته، رجاء التى عرفت المعاناة منذ أن كانت طفلة صغيرة، إلى أن ذهبت للإقامة عند خالتها تحية كاريوكا، التى قامت بتربيتها تربية صارمة وحازمة، وهو ما جعلها تدير حياتها بشكل ناجح.

وأعترف أننى قصّرت فى حقها عندما تأخرت فى الكتابة عن واحد من أجمل أدوارها، وهو دور «زوزو» فى مسلسل «لعبة النسيان» مع دينا الشربينى وعُرض فى رمضان الماضى، وهو الدور الذى كان لافتاً، وكأن رجاء قد وضعت خبرة السنوات الطويلة التى تمتد لأكثر من 60 عاماً من العمل الفنى فى هذا الدور بوجهها المعبر وعينيها اللتين تشعان بالحنان، فهى التى ربت تلك المرأة «رقية» المتهمة بخيانة زوجها بحسب كل المحيطين بها، «زوزو» فقط هى التى تدرك أصل تلك المرأة، وتعرفها جيداً، وتراهن على براءتها، وتخشى أن تصطدم بحقيقة مغايرة، وهى أيضاً التى تعرف حجم ما تخفيه تلك العائلة المليئة بالتناقضات، كل تلك المعانى جسّدتها رجاء الجداوى بحرفية عالية ودون أى انفعالات مبالغ فيها، وكأن شيئاً بداخلها كان يدرك أنها بهذا الدور تودع جمهورها.

رحلت رجاء وبقى منها الكثير والكثير، بالطبع أدوارها منذ أن أطلقها المخرج هنرى بركات فى دور «خديجة» فى فيلم «دعاء الكروان»، ودورها اللطيف فى «إشاعة حب»، وعانت رجاء لفترة من تنميط المخرجين والمنتجين لها وترشيحها لأدوار المرأة الأرستقراطية، أو الست الشيك، ولكنها على فترات كانت تحاول التمرد فى مسلسل «ليه يا دنيا ليه»، ودور «أم سمية» بائعة الخضار فى سهرة «عش العصفور»، ودورها فى مسلسل «حكاية جابر مأمون نصار»، وغيرها من الأدوار، وبالتأكيد دورها المفاجئ الذى كشف عن موهبة كوميدية فى فيلم «كركر» لمحمد سعد، وبالطبع رصيدها المسرحى المميز مع النجم عادل إمام.

رجاء الجداوى ملكة الموضة وصاحبة المشوار المتنوع فى الموضة والفن وتقديم البرامج، وجه وحضور يصعب نسيانهما، خصوصاً أنها صاحبة مشوار طويل من الكفاح والمعاناة، وصولاً إلى التألق، ونهاية بكونها واحدة من شهداء الفن، والتى أصرت على استكمال عملها رغم ظروف جائحة «كورونا»، ولم يكن سيقع عليها أى لوم لو اعتذرت خوفاً على حياتها.