لماذا لم يحصل محمود مختار صاحب "نهضة مصر" على مكافآته لصنع التمثال؟

كتب: إلهام زيدان

لماذا لم يحصل محمود مختار صاحب "نهضة مصر" على مكافآته لصنع التمثال؟

لماذا لم يحصل محمود مختار صاحب "نهضة مصر" على مكافآته لصنع التمثال؟

بعد عودته من باريس كان بوسعه أن يتقلد أسمى الألقاب (مثل البك)، لو قبل الاندماج في مجتمع الطبقات العليا، ليكون فنان الطبقات الراقية، التي يخلد شخصياتها بتماثيله، خاصة لما عرف عنه من إجادة فن "البورتريه"، لكنه آثر أن ينأى بنفسه عن هذه الطبقة ورموزها، ليظل وفيا للقضية المصرية التي آمن بها منذ فجر شبابه، وهو ما تجسد فى أعماله المهمة وعلى رأسها تمثاله الشهير "نهضة مصر" إنه رائد الفن المعاصر، النحات الكبير محمود مختار (1891- 1934).

ومحمود مختار، بحسب كتاب "فنانون وشهداء وأنشودة الحجر" الصادر عن هيئة الكتاب، للناقد عز الدين نجيب: "هو أول نحات مصري يظهر بعد ألفي عام على اندثار الحضارة المصرية القديمة، وهو أول فنان يرتبط اسمه بحركة وطنية عارمة وبامتداداها في نسيج عصر النهضة المصرية الحديثة بعد ثورة 1919بتمثاله الأشهر (نهضة مصر) المشيد بكتل هائلة من الجرانيت ،وقد تضامنت كل طبقات الأمة لتنفيذه وإقامته بميدان محطة مصر 1928 من خلال تبرعات شعبية، شارك فيها الفقراء قبل الأغنياء".

وعن خلفية "مختار" ودراسته، يتابع "نجيب" هو أول فنان مصري يغزو أوربا بفنه، فيفوز بالجائزة الذهبية عن هذا التمثال (المشروع المصغر لنهضة مصر) بصالون باريس 1920، متفوقا على مئات الفرنسيين والدوليين وعمره 29 عاما.. والأهم من ذلك هو أنه أول فنان يجسد الروح المصرية بامتدادها الحضاري ويبعثها من رقادها مستلهما في ذلك جماليات وعظمة النحت المصري القديم، دون أن ينعزل عن جماليات الفن الحديث في أوربا، بل يقدم في تماثيله صيغة جديدة تجمع بين التراث والمعاصرة.

وعن بدايات صاحب "نهضة مصر"، يقول "نجيب": كان مختار هو الطالب رقم واحد الذي تقدم للالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة لدى إنشائها كأول مدرسة في الشرق في هذا المجال، وكان أيضا الخريج رقم واحد منها في 1911، حيث كان ترتيبه الأول على جفعته، كذلك كان أول نحات عربي ومصري يبعث لدراسة الفن في أوربا في العام نفسه على الأمير يوسف كمال منشىء المدرسة وراعيها، وهناك في باريس وجد الاهتمام والحفاوة من ألوساط الفنية، مما شجعه على الإقامة بها بعد انتهاء دراسته.

ويواصل "عز الدين" وعندما شبت الثورة الوطنية في مصر 1919، كان يتحرق شوقا للعودة والمشاركة في هذا الحدث في مواجهة الاستعمار البريطاني، لكنه لم يتمكن من السفر بسبب ارتباك حركة النقل البحري خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها ولم يكن أمامه إلا العكوف بمرسمه لعمل تمثال يعبر عن مشاعره الوطنية فولد تمثاله "نهضة مصر" مؤكدا لمعنى الصحوة الوطنية، من خلال الفلاحة التي اتخذها دائما رمزا لمصر وهى تكشف عن وجهها الحجاب بيد، وتنستنهض بيدها الأخرى تمثال أبي الهول ليهب بقوته الأسطورية، كي يستعيد مجد مصر القديمة التي كان شاهدا عليها عبر آلاف السنين.

وعندما عاد إلى مصر عرض عليه منصب عميد كلية الفنون الجميلة، لكنه اتعذر مفضلا أن يتفرغ لفنه وقضية وطنه، كما نأى ينفسه عن الاندماج في الطبقات الراقية، لنحت تماثيل للشخصيات الأرستقراطية، في أقبل على نحت تماثيل لسعد زغلول، كرمز للحركة الوطنية، وبحسب "عزالدين" "وجر هذا الموقف عليه غضب الملك فؤاد الأول ورجال الحكومة، فحرم من أى لقب أو منصب أو ثروة" .

وخاض "مختار" صراعا مريرا مع السلطة والحكومة، التي عارضت إقامة تمثال نهضة مصر، وتسببت في تعطل العمل به سنوات عدة بعد أن اكتتب الشعب لجمع تكاليفه، في حين كانت توالى نجاحات مختار في معارض باريس.

انتهى مختار من التمثال - الذى نحته من أحجار الجرانيت بعد إحضارها خصيصا من أسوان- في 1927 ومع ذلك لم يزح عنه الستار إلا بعد عام، في ميدان باب الحديد في 1928، قبل أن يتم نقله إلى ميدان جامعة القاهرة في عام 1955، ومع ذلك لم يحصل صاحب التمثال على مكافأته المتعاقد عليها من الحكومة عن ابتكاره الذى استغرق ثمانى سنوات، حتى تنازل عنه يأسا.


مواضيع متعلقة