نعيق الغربان فى قطر وأنقرة عن ليبيا وإثيوبيا
أفهم أن تعارض الغربان الطائرة للإخوان الإرهابية بقناة الجزيرة وفضائيات تركيا الدولة المصرية، وأستوعب أن ينعق الغربان ليلاً ونهاراً لإسقاط الدولة المصرية، وأتخيل مدى كراهيتهم وعدائهم لرؤية الدولة الوطنية فى انحيازها لحماية الدولة الوطنية فى كل بلد عربى، لكنى لا أفهم ولا أستوعب دس أنوفهم فى ما لا يعنيهم من تحديد أولويات أمننا القومى.
الغربان ينعقون ويرددون سؤالاً واحداً، تلقوه من أسيادهم فى أجهزة المخابرات التى يعملون تحت إمرتها، وهو سؤال لوذعى الحقيقة، لأنه ينُم عن جهل عميق، وغباء منقطع النظير، حين يسألون ويلحون على علاقة ليبيا بالأمن القومى المصرى، وإذا ما كانت الأولوية لليبيا؟ أم الأولوية لإثيوبيا؟
والحاصل أن كل غراب منهم يحاول إظهار تميزه بطرح التساؤل بصورة مختلفة، فهذا يبدأ تساؤله من ليبيا وأهميتها لمصر، والثانى ينطلق من التساؤل عن أولوية المخاطر التى يمثلها سد النهضة، والنكتة الأكثر إضحاكاً حين سأل بعضهم هو مين الأهم: نروح ليبيا ولا نواجه إسرائيل أولاً.
الشاهد أن هذا السؤال المثير للسخرية، لم يتكرر مجدداً على كل فضائيات تركيا المسماة بشاشات الإخوان، وفى الأغلب عدم تكرار السؤال، مرتبط بعصا يبدو أنها هبطت على مؤخرة من تحدث فى هذا الأمر، ناسياً أنه يعيش ويأكل ويعمل فى بلد، عاصمته هى الأهم والأبدى فى العلاقات الاستراتيجية الإسرائيلية بالمنطقة، وصاحبة التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة منذ فترة طويلة مع تل أبيب.
المهم أن السؤال الجوهرى من الأبدى ليبيا أم إثيوبيا؟ لا يرتبط بمناقشة جادة لفقه الأولويات، إنما هو محاولة من المحاولات المتكررة الفاشلة للغربان، لإثارة الوقيعة بين المصريين، والتشكيك فى جدية الدولة المصرية وقدراتها، وإثارة الشكوك فى مصداقية الدوافع والأسباب التى دفعت الدولة المصرية لإعلان مثل هذا هو الأول من نوعه منذ عهود طويلة.
جماعات الإرهاب الكذابة، تستكمل دورها التبريرى لمخطط الاستعمار التركى للمنطقة، وتواصل محاولاتها لدعم خطط السلطان أردوغان فى الهيمنة التدريجية على المنطقة، ودورهم معروف وهو التشكيك والوقيعة والدس بين الشعوب، لمجرد تمرير خطوة من خطوات أحلامهم الفاشية، لإقامة دولة المرشد أو الخلافة سمها ما شئت.
والبادى أن هدف هؤلاء الغربان هو تشكيك المصريين فى أهمية التحرك المصرى لمساندة الشعب الليبى، وإثارة التساؤلات عن أهمية هذا التحرك، وكأن وجود جماعات الإرهاب داخل نطاق الخط الأحمر للأمن القومى المصرى لا يشكل أهمية، وكأن الوقائع ومجريات الأحداث، لا تشير إلى أن هذا الحزام يمثل المنطقة التى خرجت منها فرق إرهابية لتضرب فى مصر، وكأن أيضاً كل هذا لا يمثل خطراً حدودياً حقيقياً. والأهم هذا الدور التبريرى للغربان، للتمويه والتستر على أطماع أردوغان فى الاستيلاء على ثروات ليبيا الطبيعية، فى إطار مخططه للهيمنة على منابع النفط والغاز، وهى المحاولات التى يقومون بها تحت ستار «خوفهم على الأمن المصرى»، رغم كل ما فعلوه من ألاعيب ومؤامرات لضرب الأمن المصرى، وإشاعة الفوضى فى البلاد، وهم يصدق عليهم بيت الشعر الذى يقول «خرج الثعلب يوماً فى ثياب الواعظين». والعجيب أن يحاول البعض منهم المقارنة بين الخطاب المصرى الصارم الحازم ضد أردوغان وعصابات الإرهاب فى ليبيا والخطاب الإنسانى الهادئ الراغب فى التعاون مع إثيوبيا، بزعم عدم اهتمام الدولة بسد النهضة، والحقيقة أنهم يتخيلون أنهم بذلك سيدقون إسفيناً بين الشعب والدولة، وأن الناس يمكنها تصديق ما يردده هؤلاء الببغاوات من أكاذيب أو ما يحاولون تمريره من تحليلات مثيرة للسخرية عن الموقف المصرى، وهو الملف الذين يعرفون جيداً كيف أسهمت دولة المرشد فى إضعاف الموقف المصرى تجاهه، فى الاجتماع السرى العلنى الشهير. ورغم أن الأمر لا يحتاج إلى تفسير كبير، لكن يبدو أنه يحتاج إلى إشارات سريعة.
المسألة الليبية جزء من الأمن القومى المصرى، بعضها يتعلق بالإرهاب، وبعضها يتعلق بمواجهة الرغبات التركية المهددة للأمن العربى ومنه الأمن المصرى، ومصر حريصة دائماً على عدم التدخل فى شئون الغير، لذلك هى تتعامل دوماً تحت مظلة قانونية وهى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة وإجماع المجتمع الدولى مثل ما حصل فى ألمانيا أو إيطاليا وأخيراً إعلان القاهرة لرعاية المبادرة الليبية - الليبية.
مصر لم تهدد ليبيا ولا الشعب الليبى، ولم ترسل قواتها أو مرتزقة تابعين لها لاحتلال ليبيا، وإنما تمسكت بثوابت الإرادة الليبية ورفض التدخل فى شئونها، لذلك كانت مصر الدولة الوحيدة التى تحركت فى اتجاه إعادة بناء مؤسسات الدولة من جيش وطنى وبرلمان وحكومة، ودعم إقامة دولة وطنية موحدة والقضاء على الميليشيات الإرهابية المهددة لأمن وسيادة الدولة، وضمان التوزيع العادل لثروات الشعب الليبى على كل أبناء الوطن، وعدم احتكار هذه الثروات لصالح جماعة المرشد الليبى المسماة بحكومة طرابلس.
القاهرة لا تتحرك إلا تحت مظلة الشرعية الدولية لقرارات الأمم المتحدة، لذلك تستند مصر إلى أسانيد قانونية وأهمها المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن نفسها فى مواجهة التنظيمات الإرهابية المنتشرة فى ليبيا والممارسات والتدخلات التركية فى ليبيا والمجال الجوى والمياه التى أثارت العديد من المخاوف وإعلانات الرفض الدولى وآخرها كانت فرنسا وقبلها قبرص واليونان، وهى الممارسات والتصرفات التى تهدد الحدود الغربية المصرية. وحين وجهنا ضربات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية فى شرق ليبيا تم إبلاغ الأمم المتحدة وقتها أن هذه الضربات تمت فى إطار حق الدفاع الشرعى عن النفس اتساقاً مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المعنى بالحق الشرعى فى الدفاع عن النفس.
التدخل المصرى لمساعدة الليبيين وتأمين الجبهة الغربية حق شرعى وأمر منطقى، لأن التدخل التركى يسعى إلى إعادة صياغة الخريطة السياسية فى شرق المتوسط، من خلال دعم المشروع الإخوانى بالمنطقة والاقتراب من الحدود المصرية لتهديدها، بالطبع إلى جانب الثروات النفطية والغاز والاستيلاء على الثروات والتحكم فيها، والحقيقة أن مصلحة تركيا فى ليبيا تتعلق أكثر بالموازين الاستراتيجية فى صراع القوى الدائر فى شرق البحر الأبيض المتوسط، لذلك فإن التدخل المصرى لمساعدة الليبيين وتأمين الجبهة الغربية حق شرعى وأمر منطقى. والحقيقة أيضاً أن مصر تستخدم كل الأدوات المناسبة للدفاع عن أرضها، ولم تنشغل أبداً عن حماية أمنها القومى غرباً فى عمق الجارة الشقيقة ليبيا، ولا جنوباً عند الأشقاء الأفارقة فى إثيوبيا، نحن نواجه مخططات أردوغان ومغامراته الاستعمارية بالأدوات والوسائل الملائمة للتعامل مع عدو، أما فى إثيوبيا فنحن نتفهم رغبات شعب فى التنمية ونسعى لتهدئة مخاوفه وتقديم التفاهم والتعاون على المواجهة التى فرضها الإرهاب علينا وعلى الأشقاء فى ليبيا.