فيلم "وداعا للغة" لجان لوك جودار: "قصيدة" بصرية و"شرنقة" للفن الأصيل

كتب: صلاح هاشم من "كان"

 فيلم "وداعا للغة" لجان لوك جودار: "قصيدة" بصرية و"شرنقة" للفن الأصيل

فيلم "وداعا للغة" لجان لوك جودار: "قصيدة" بصرية و"شرنقة" للفن الأصيل

عدت للتو من مشاهدة فيلم "وداعا للغة"ADIEU AU LANGAGE للمفكر والمخرج السينمائي الكبير جان لوك جودار المشارك في مسابقة مهرجان "كان" 67، زحام هائل، وتدافع بالمناكب، وطوابير طويلة، كأنك في مولد سيدنا الولي- جودار، درويش السينما، وصاحب طريقة بالفعل، وقبل العرض استقبال حافل لطاقم الفيلم الفني، ثم وقوف للتصفيق لمدة خمس دقائق بعد الفيلم، الذي أعتبره تحفة فنية، فهو قصيدة بصرية فلسفية، تستولي عليك، بكل ما يحشده المخرج الفيلسوف من تكوينات وتشكيلات، الجسم عند جودار هو مثل الخط في الكتابة، أو اللون في الرسم، أو الورق في الشجر، فلا توجد هناك حكاية بالمعني المفهوم في الفيلم، بل محاولة لإرساء مفاهيم CONCEPT، مثل ذلك المفهوم الذي ينعي به جودار الحياة الغربية، فيقول في الفيلم إن البشر في تلك المجتمعات سيحتاجون مستقبلا، ونحن أيضا "كمسخ وتقليد لتلك المجتمعات، إلى مترجمين، وقريبا جدا لانعدام التواصل، وبعد أن فقدت الكلمات واللغة معانيها، سوف يسير كل شخص مع مترجم، لكي يترجم له الكلام الذي ينطقه بفمه، وربما نحتاج إلى كلاب كما في الفيلم، لتشرح لنا وتترجم ونفسر، في عالم هو "الخواء" بعينه. فيلم جودار هو أقرب ما يكون إلى مقطوعة موسيقية من نوع "موسيقى الحجرة"، ويحتشد بالعديد من المفاجآت. و"داعا للغة" هو محاولة لخلق سينما جديدة، لا علاقة لها بالحكاية التقليدية التي تعودنا عليها، بل بحكاية جديدة، مثل تلك الحكاية أو العلاقة التي يحكيها لنا جودار في فيلمه، وهو يضعها داخل وفي حضن "الطبيعة" في موسم الصيف، وتبدو هنا الأزهار والورود وتكاد أن تخرق بنظام الأبعاد. الثلاثة تخرق الشاشة، وتداعب وجوهنا وتمسح عليها بلطف وحنان مثل ريشة، ولاحظ أيضا كيف ينهل جودار لتكثيف المعني في "وداعا للغة" من الأفلام الكلاسيكية القديمة بالأبيض والأسود، فنشاهد في غرفة النوم بعض لقطات من فيلم "متروبولس" لفريتز لانج على شاشة كبيرة، كما لاحظت أيضا أن هذا الفيلم، متصل بفيلم "موسيقانا" لجودار، وكأن "وداعا للغة" هو "مقطع"- أو بالأحري "فصل" من الجحيم في فيلم "موسيقانا"، وقد ذكرتني الموسيقى في الفيلم أيضا بموسيقى فيلم "الاحتقار" للموسيقار الفرنسي دولارو، وهي من النوع "المخدر" الذي يسكنك ويستحوذ على كل مشاعرك في التو: دلفنا في فيلم جودار "وداعا للغة" إلى شرنقة جميلة من متعة الفن والتأمل الفلسفي الجمالي العميق، ولن يستطيع أحد أن يخرجنا منها. المعلم الفيلسوف المخرج جان لوك جودار ترى هل يحصد بقصيدته البصرية "وداعا للغة" "سعفة كان" 67 الذهبية، ليتوج بها مسيرته السينمائية الفذة؟ هذا هو جل طموحنا.