مصر في 3 سنوات انتخابات.. "دولة تعيش عيشة المليارديرات"

كتب: محمد شنح

مصر في 3 سنوات انتخابات.. "دولة تعيش عيشة المليارديرات"

مصر في 3 سنوات انتخابات.. "دولة تعيش عيشة المليارديرات"

لأكثر من 30 عامًا.. تشوّق المصري للصندوق الانتخابي والوقوف في طابور من أجل الإدلاء بـ"صوت" يعبّر عن إرادته بدون تزوير أو تدليس، ومبتهجًا بغمس إصبعه بحبر فسفوري، يفخر به بين أولاده وأصدقائه، ويوثّق مشاركته بصورة فوتوغرافية لذكرى اختياره لدستور يرسم مستقبله، أو انتخاب رئيس لبلاده أو نائب يمثله في البرلمان، وما إن جاءت ثورة 25 يناير، حتى تحوّل الحرمان من التصويت إلى تشبّع دائم، وأصبح الذهاب إلى لجنة الانتخابات عادة متكررة الحدوث، نتيجة لحالة من عدم الاستقرار السياسي، أدت لثورتين شعبيتين و7 استحقاقات انتخابية أرهقت ميزانية الدولة بالمليارات. 3 استفتاءات شعبية على الدستور، بدأت من 19 مارس 2011، ومرورًا باستفتاء 2012 في حكم الإخوان إلى 14 يناير 2014، و4 استحقاقات انتخابية بدأت بانتخابات مجلس الشعب والشورى 2011، مرورًا بانتخابات الرئاسة 2012، وحتى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 26 مايو الجاري، وبلغ حجم الإنفاق العام عليها مليارات الجنيهات، ما بين "طباعة الاستمارات، وتأمين اللجان، وتكاليف الإشراف القضائي، ومكافآت الإداريين المعاونين للقضاة، بالإضافة إلى تكاليف لجان وضع الدستور".[FirstQuote] استفتاء 19 مارس 2011، كان بداية نزول المصريين بكثافة إلى لجان الاقتراع، للمشاركة بالرأي في التعديلات الدستورية على "دستور 71"، ولم يصدر أي تصريح أو بيان رسمي يفيد بحجم الإنفاق الحكومي على هذا الاستفتاء، ولكن وفق تقديرات المراقبين والمتابعين للعملية الانتخابية، فقد بلغ حجم الإنفاق الحكومي على الاستفتاء 500 مليون جنيه، ويؤكد مجدي عبدالحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أن الإنفاق الحكومي على الاستفتاء تكون أرقامه "محاطة بالسرية"، وأن ما يصدر من أرقام يكون في إطار التكهنات. وفي 28 نوفمبر من نفس العام، انطلقت انتخابات مجلس الشعب، لاختيار أول برلمان مصري بعد ثورة 25 يناير، ومن بعدها تم انتخاب مجلس الشورى في 29 يناير 2012، ومن بعدها أُقيمت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 23 مايو 2012، ولكن هذه المرة خرجت تصريحات حكومية، تشير إلى حجم الإنفاق الحكومي على الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة، ورغم تضارب التصريحات بين وزير المالية الأسبق ممتاز السعيد، الذي أشار في تصريحات صحفية إلى أن فاتورة تكلفة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية "شعب وشورى" ستتجاوز 1.9 مليار جنيه، وبين تصريحات رئيس الوزراء الأسبق الدكتور كمال الجنزوري، الذي أكد في آخر مؤتمر صحفي استعرض فيه إنجازات حكومته على مدار 6 أشهر، أن تكلفة الانتخابات الرئاسية ومجلسي الشعب والشوري التي أجريت في مصر بعد الثورة تكلفت مليارًا و600 مليون جنيه، بلغ فيه حجم الإنفاق على الانتخابات الرئاسية وحدها 240 مليون جنيه، وفق ما أكدته اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وقتها. أما في عهد محمد مرسي وحكومة رئيس الوزراء هشام قنديل، فلم يتم إلا استحقاق واحد، هو الاستفتاء على دستور 2012، وأعلن "قنديل" وقتها، أن تكلفة الاستفتاء على الدستور بمرحلتيه بلغت ما يقرب من مليار جنيه، لتصل مجموع الإنفاق على استفتاءين وثلاثة انتخابات إلى 3 مليارات و500 مليون جنيه. وبعد عزل مرسي وتعطيل دستور 2012 وتعديله وعرضه للاستفتاء في يناير 2014، فبحسب تصريحات لمسؤولين بوزارة المالية، فإن تكلفة عملية الاستفتاء على الدستور تراوحت ما بين مليار إلى 1.2 مليار جنيه، لتصل التكلفة الإجمالية لـ6 استحقاقات انتخابية، وبحسب تقديرات الخبراء وتصريحات مسؤولين حكوميين فقد تكلف الاستفتاء 4 مليارات و700 مليون جنيه، قبل أن يعلن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، اليوم، أن تكلفة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 26 مايو الجاري، 800 مليون جنيه شاملة الأعمال الإدارية واللوجستية، دون أن يذكر تكلفة الإجراءات الأمنية للعملية الانتخابية، لتصل التكلفة الإجمالية للمصاريف الحكومية لـ7 استحقاقات انتخابية إلى 5.5 مليار جنيه قابلة للزيادة.[SecondQuote] ويؤكد مجدي عبدالحميد، رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، أن جميع البيانات المتاحة عن الإنفاق الحكومي والعام على الانتخابات تأتي في إطار التكهنات، مشيرًا إلى أنه لا أحد يعلم حجم الإنفاق في عملية الانتخابات، فالعملية تتم بشكل سري، ويكون عليها تعتيم إعلامي، لافتًا إلى أن أي إحصائيات ترصدها منظمات المجتمع المدني، تأتي في إطار متابعاتها ورؤيتها لحجم الإنفاق، ولكنها غير مدعمة بإحصائيات موثقة. ونفى عبدالحميد، لـ"الوطن"، أن يكون هناك دعم مالي مباشر من قِبل دول أو منظمات عالمية للانتخابات فهذا ممنوع قانونًا، ولكن قد يكون الدعم في شكل مساهمة في تدريب مراقبين ومواطنين للمشاركة ومتابعة العملية الانتخابية، أو بالتبرع والمساهمة بأجهزة وأدوات ومستلزمات العملية الانتخابية للحكومة المصرية، كأن يتم إمدادها بـ"صناديق اقتراع زجاجية شفافة، أو بعض الأدوات الأخرى في الأماكن التي يتم فيها الاقتراع السري". وعلى الصعيد الاقتصادي، اختلف الخبراء في رؤيتهم حول مدى تأثير كثرة الاستحقاقات الانتخابية على الاقتصاد المصري، حيث يرى الدكتور شريف دولار، الخبير الاقتصادي، أنه إيًا كان الرقم الذي سيصرف على العملية الانتخابية، فإنه سيسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، فمصاريف الدعايا الانتخابية للمرشحين أو الإنفاق الحكومي، تأتي بفائدة على قطاعات إنتاجية في المجتمع، من خلال تشغيل مصانع الورق والأحبار، وأيضًا سيسهم في حركة بالمطابع، وسيحرك قطاعات أخرى في مجال الدعاية والإعلان، مؤكدًا أن هذه الأموال تنفق داخل مصر، وتسهم في تحريك عجلة إنتاج في قطاعات كثيرة. وأضاف دولار، لـ"الوطن"، أن الظروف السياسية في مصر خلال المرحلة الانتقالية هي ما فرضت كثرة الاستحقاقات الانتخابية، وزيادة المصاريف الحكومية عليها، ولكن هناك جزءًا من هذا الإنفاق الحكومي يستثمر في مجال الطباعة وصناعة الأوراق والأحبار وهذا يحرك بعض القطاعات الإنتاجية في المجتمع، ولكن ما تستطيع أن تفعله الحكومة، سيأتي ضمن محاولات ترشيد الإنفاق لكي لا يزيد، موضحًا أن الإنفاق على الانتخابات موجود بهذا الشكل وأكبر في كل دول العالم. فيما كان للدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، وجهة نظر مختلفة، حيث كشف لـ"الوطن"، عن مفاجأة من خلال تقرير اقتصادي، أعده عن الانتخابات ومعدل الإنفاق العام من قِبل الحكومة وحملات المرشحين الرئاسية، حيث قال إن التكلفة الإجمالية للإنفاق على الانتخابات منذ ثورة 25 يناير وحتى الانتخابات الحالية بلغت 20.3 مليار جنيه مصري، مؤكدًا أنه إذا كانت وصلت التكلفة الحكومية للإنفاق على الانتخابات بلغت 5.5 مليار جنيه أو أكثر، فإن الحملات الدعائية للمرشحين أنفقت في الانتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى والانتخابات الرئاسية فقط ما يقرب من 14 مليار جنيه، مؤكدًا أن الإعلانات بالطرق وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث على الإنترنت تقدر للمرشح الواحد بـ100 مليون جنيه، وهو ما يؤكد أن السقف الذي تحدده اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات غير مطبّق على الإطلاق، ولكن يتم التحايل عليه بالإعلان أن هذه التكاليف تتم من خلال مبادرات شخصية لمؤيدي المرشح، وليس للحملة علاقة بها.[ThirdQuote] ويؤكد سليمان أن الإنفاق العام على الانتخابات موجود في كل دول العالم، وقد يتجاوز حجم الإنفاق في مصر بكثير، ولكنها تكون في إطار سيولة مالية مهدرة، فكان من الممكن استغلال هذه المبالغ الطائلة في الاستثمار الذي أصبح معدله في مصر "صفر"، ووقتها كانت ستدر عوائد أكبر، مؤكدًا أن الأنشطة التي تشهدها بعض القطاعات وقت العملية الانتخابية، ليست أنشطة اقتصادية تدر عوائد، وإنما تأتي في إطار الأعمال المؤقتة التي تنتهي بانتهاء موسم الانتخابات، ولا يستفيد منها سوى المرشح للتأثير على فئات وقطاعات من المجتمع واستقطابهم لصالحه.