الدكتور أحمد عكاشة: المصريون يصنعون من «مرسى» فرعوناً جديداً

كتب: سماح حسن

الدكتور أحمد عكاشة: المصريون يصنعون من «مرسى» فرعوناً جديداً

الدكتور أحمد عكاشة: المصريون يصنعون من «مرسى» فرعوناً جديداً

لا يبدو الدكتور أحمد عكاشة خبير الطب النفسى العالمى متفائلا بمستقبل مصر فى قبضة فرعون جديد يتشكل على أيدى المصريين أنفسهم الذين ثاروا على الفرعون السابق، هو يرى أنها عبقرية فريدة للشعب المصرى أن يسقط فرعونا ويصنع آخر، فيما يراه من حالة تمجيد، ودعاية مفرطة تتبناها مؤسسات الدولة والمساجد والدعاة، للوقوف وراء الرئيس، الذى يتعثر فى انتمائه لجماعة الإخوان، التى أولى بها أن تتفرغ للدعوة كما يؤكد هنا، مشيرا إلى أن بقاء مرسى لوقت طويل على كرسى السلطة دون مساءلة سيقوده للتغير حتما للأسوأ، إن لم يتمكن من خلع جلباب الإخوان قريبا..وإلى تفاصيل الحوار. • ما قراءتك النفسية للرئيس محمد مرسى بعد 60 يوما فى حكم مصر؟ - أستطيع أن ألخص السمات الغالبة فى تحليل شخصيته، بأنه شخص متزن فى انفعالاته، بمعنى أنه لا يميل إلى الاندفاعية، ومحاولة التحفظ فى القرارات، حتى بعد نصيحة مستشاريه وحماية الإخوان له، كما أنه يغلب عليه أرضية تعليم، ومرجعية الإخوان، ويلاحظ ذلك من خلال خطاباته للشعب، ولوحظ ذلك خاصة فى خطابه الأخير بمسجد عبدالعزيز بمصر الجديدة، حيث إنه كان يتحدث كإمام مسجد وليس كرئيس جمهورية، كما أن سياق خطابه كان أشبه بخطاب الرسول عليه الصلاة والسلام.[Image_2] • هل شخصية «مرسى» تجعله يرتدى عباءة الإخوان المسلمين طوال فترة الحكم؟ - «مرسى» سيخلع ثوب الإخوان فى القريب العاجل، ويبدله بثوب مصر، لأن جلباب الإخوان لن يستمر طويلا، بحكم طبيعة الشعب المصرى الذى سيجبره على فعل هذا. • وهل استطاع كرسى الرئاسة أن يغير شخصية «مرسى» خلال هذه المدة القليلة؟ - السلطة لها تأثير سريع، فى حالة عدم مساءلة الرئيس، ولكنها لن تؤثر على «مرسى» لأن مدة جلوسه على الكرسى لا تزال قصيرة، وهناك صحوة فى الشارع المصرى، وإذا استمر المواطن المصرى بهذه الطريقة، فلن يستطيع مرسى أن تكون لديه سلطة مطلقة وعنجهية كما للرؤساء السابقين، كما أنه سيعدل من سلوكه الإخوانى، لأن إيمانه القوى سيجعله يفضل نهضة مصر عن أى شىء آخر، كما أن شخصيته تحمل سمات إنسان غير متطرف لكنه لن يتغير إلا بعد عدة شهور لخلع جلباب جماعة الإخوان. • ما السمات الأساسية التى تتحكم فى شخصية مرسى؟ - إنه يميل للمحافظة والنظام، خاصة أنه شخصية مرتبة وأعتقد أن هذا يرجع لوظيفته كباحث علمى وأستاذ جامعة، وبالتالى ليس لديه اندفاعية ولكن أتمنى أن يأخذ بنصائح الآخرين. • هل ترى تغيرات قوية فى شخصية مرسى؟ - بالفعل هناك تغير حدث فى شخصية مرسى، ظهر من خلال قرار التغييرات الأخيرة فى السلطة العسكرية، لكن إذا كانت تلك التغييرات تمت بنصيحة جماعة الإخوان التى ينتمى اليها، أو ما يطلقون عليه «شورى الإخوان» فأخشى ما أخشاه أن يكون أسلوبه من صناعة الجماعة، ومبنيا على آرائها، وهى جماعة دعوية، والحزب الذى كان يرأسه لسنوات، لم يلعب فيه دورا سياسيا، فالسياسة لا تتواكب إطلاقا مع الدعوة الدينية، لأن السياسى لا بد أن يكون مراوغا، والجماعة الدعوية تؤمن بالاستقرار والالتزام بالفضائل الشرعية الدينية، وأخشى أن يقود هذا الطريق لأخونة الدولة، وأن نتبع عقيدة واحدة، عقيدة التيار الإسلامى، ولا أعتقد أن يؤدى هذا إلى ما نريد أن نصل إليه.[Quote_1] • ما تفسيرك لممارسات الإخوان بعد تمكنهم من السلطة؟ - عندما جاء مبارك، كان يقول فى البداية «أنا زى أى مواطن عادى»، كان مقبولا جدا لدى المصريين، وظل لسنوات كثيرة على هذا النحو، ولم يحدث التغير ضده، إلا بعد اقتناعه بملف التوريث وتزوير الانتخابات الأخيرة، فقال كلمته المشهورة بحق المعارضين «سيبوهم يتسلوا»، ما جعل الشعب يثور عليه، والمشكلة أن الإخوان بدأوا بما انتهى إليه الآخرون، وهم فى حالة عدم ثقة وخوف من زوال ما حصلوا عليه، من تحول سقوط الدولة فى أيديهم بهذه السهولة، ولاشك أن شخصا فى معتقل ويلعب كل دوره تحت الأرض ثم يجد نفسه فجأة فى الصدارة، ربما أدى به هذا إلى نوع من أنواع الاهتزاز النفسى، لأن ما حصل عليه لم يأت تدريجيا، وهذا يؤثر فى شخصية مرسى أيضا، لأن الإخوان يريدون أن يأخذوا كل شىء، كنوع من عدم الاستقرار، وهم خائفون من أن يفقدوا ما حصلوا عليه، ويثيرون ضجة كبيرة جدا بأنهم الأغلبية فيما يوجد أناس كثيرون يعلمون جيدا أنهم ليسوا أغلبية، وهناك مشكلة أخرى أن الإخوان يعتقدون أن الشعب المصرى زوار على الإسلام وأن سلوكهم انتقامى وشماتة، وكأن لهم ثأرا بما حدث لهم، وهذا ضد الإيمان والإسلام الوسطى، كما أنهم استطاعوا فى فترة وجيزة جدا أن يعادوا المؤسسة العسكرية ومؤسسة الأزهر والقضاء، وإذا استمروا بهذه الطريقة ستؤدى بهم إلى نهاية مظلمة، كما أنهم لا يستطيعون تصور أن الديمقراطية قبول الرأى الآخر وأن المعارضة إذا لم تكن قوية فلا توجد حريات حقيقية، الإخوان لم يمارسوا السياسة إلا فى الخفاء، ولايزالون يتعاملون باعتبار أنهم جماعة وليس حزبا. • هل تتوقع أى تحولات فى شخصية حرم الرئيس للعب دور السيدة الأولى؟ - لا أستطيع أن أحكم علميا لكن أرى أنها قنوعة جدا، وكانت تمارس الدعوة فى المساجد وإلقاء الدروس الدينية من خلال الجماعة، أعتقد أنها تفضل أن تكون فى «بروفايل» متواضع لحرم رئيس الجمهورية، كما أن مرسى سافر أكثر من مرة خارج مصر ولم يأخذها معه، وفى رأيى الخاص حسب شخصيتها من الصعوبة أن تقوم بدور السيدة الأولى مثل سوزان مبارك وجيهان السادات فهى لا تلعب أى دور سياسى لكن من الممكن أن تقوم بدور اجتماعى، فمبارك قال فى أول خطاب له إنه لا يريد أن تتدخل زوجته فى الحياة السياسية، وما حدث بعد ذلك يخالف ما قاله تماما، الأمور تتغير والسلطة تغير وإذا ظل مرسى لفترة طويلة فى كرسى الحكم دون مساءلة، سيتغير سلوكه وشخصيته حتما. • برأيك.. هل يخلق الشعب المصرى من مرسى فرعونا آخر؟ - هناك شىء محزن للغاية الآن، قيام معظم المساجد بحث الشعب على الوقوف وراء مرسى وهناك قاعدة فى علم النفس «خير وسيلة لتحطيم إنسان أن تزيد من انتفاخه» لأن أى دبوس قادر على تفريغ الهواء الذى بداخله فى لحظة، المديح والرأى الواحد يجعل الإنسان منتفخا والطلب فى المساجد أو المؤسسات بدعوة المواطنين للوقوف وراء مرسى يجعل من أى رئيس فرعونا جديدا، ومرسى لا بد أن يستمع للنقد، وهذا ما حذرت منه فى عصر مبارك، والغريب أنهم يقولون إن «السياسة والدين شىء واحد» وهذا غير صحيح لأننا لا نستطيع أن ننقد الدين ولكن من السهل أن ننقد السياسة. الجماعة هى الأقلية وتريد فى ذات الوقت أن تسيطر على المجتمع كله، وهذا لن يحدث لأن نفسية المصريين تغيرت بعد الثورة، لأن الفارق بين الفوضى والحرية خلق تغيرا لدى الشعب وخلق فرعون جديد بالرغم من هذه التغيرات عبقرية لا يستطيع أى شعب التحلى بها، والمصريون يخلقون فرعونا جديدا بالفعل من مرسى الآن. نعم الرجل لديه صفات جيدة لكنه بشر، وعندما يجد أن كل السلطات فى يديه والكل يمجدونه بالتأكيد سيتغير.[Quote_2] • هل لجأ مبارك إليك كطبيب نفسى من قبل ومتى يلجا الرئيس إلى الطبيب النفسى؟ - من الصعب جدا أن يلجأ ديكتاتور أو فرعون لطبيب نفسى، ومبارك لم يلجأ لى، لأن السياسى المستبد معاييره مختلفة تماما عن معايير الشخص العادى، والعلاقة بين الطب النفسى والرؤساء غير طيبة، فلم يلجأ رئيس مصرى من قبل لطبيب نفسى لأنهم يشعرون بالعظمة واللجوء إلى الطبيب النفسى فيه ضعف حسب تفكيرهم، وهذا لا يحدث فى مصر. * من رئيس متعجرف قوى إلى مسن ينتقل على سرير متحرك، ما سر هذا التحول فى شخصية مبارك؟ - رجل فى سن مبارك لا يقبل النصيحة وأصبحت قدرته على اتخاذ القرار متواضعة، ووجوده على سرير متحرك كان نصيحة المحامين ليجذب عطف الشعب المصرى بأن يظهر فى صورة المسن الضعيف، خاصة أنه لا يعانى من مرض فى القلب يجعله يخضع للنوم على سرير وباستطاعته المشى والجلوس على كرسى متحرك فى أسوأ الأحوال، إنها أول مرة فى حياتى أرى متهما يحضر فى قاعة محكمة على سرير، هذا فلكلور مصرى فريد من نوعه ولكن قابل ذلك وعى لدى الناس، لأنهم لم يستطيعوا نسيان ما فعل فى الشعب. • من وجهة نظرك يمكن لشخصية مبارك أن تقبل على الانتحار؟ - مبارك شخصية محافظة منضبطة، خاصة أنه وصل لرتبة فريق فى الجيش ومن يصل إليها يجب أن يكون ملتزما ومنضبطا ولديه القدرة على القيادة، ومبارك كانت لديه هذه الصفات، والانتحار يحتاج إلى شخصية مهزوزة نفسيا غير منضبطة، وهذا التغير صعب فى شخصية الرجل، الانتحار ممكن لدى شخص ضعيف العواطف، لكن مبارك متجمد العواطف حتى بعد خلعه من الحكم. • ما تحليلك لشخصية المشير طنطاوى بين رئيسين، مبارك ومرسى؟ - العسكريون ذوو شخصية محافظة وتجمعهم صفات مشتركة، لأنهم عاشوا طول عمرهم على نمط معين، وسواء فى ذلك مبارك وطنطاوى وعنان، كلهم أصحاب شخصية منضبطة تتقن أعمالها وتحترم الأقدمية وتطيع الأعلى رتبة، وهذه الصفات لاتتماشى مع المدنيين، فالرأى الآخر غير مقبول فى الحياة العسكرية، و«طلباتهم أوامر» لا يستطيع أحد رفضها أو المجادلة فيها، وواجهت المجلس العسكرى مشاكل كثيرة فى المرحلة الانتقالية، فقط لأن أعضاءه تعودوا إصدار الأوامر ومقابلتها بالطاعة. • خيرت الشاطر الذى يعد أهم شخصية فى جماعة الإخوان.. كيف تراه من الناحية النفسية؟ - إنه رجل أعمال ناجح على المستوى الاقتصادى الصغير، لكن على مستوى الاقتصاد العالمى أو الاقتصاد الكلى، أو من ناحية تولى منصب وزارى أو خوض الحياة السياسية لن يكون ناجحا، لأنه يتعامل بمنطق رجل الأعمال المستثمر، بمعنى أن لديه مجموعات استهلاكية، وهو شريك فى محلات للملابس، رجل أعمال بما تعنيه الكلمة ومتخصص فى الاقتصاد الجزئى الذى يتعلق بالمستهلكين ولايستطيع أن يكون وزيرا لديه القدرة على التنظيم وإدارة اقتصاد البلد، كما أنه العقل المدبر لخزانة الإخوان والمصدر المالى للجماعة، لكن المشكلة أنه يتعامل كمرشد دينى، والدين والسياسة لا يجتمعان.[Quote_3] • هل حقا يبدو الفنانون الأكثر ترددا على الطبيب النفسى والسياسيون الأقل؟ - الفنانون ليسوا أكثر مرضانا، ولكن ليس لديهم الخجل فى أن يقولوا هذا، فيعتقد الناس أنهم الأكثر ترددا على الطبيب النفسى، لكن المهنيين كلهم عرضة للذهاب للطبيب النفسى، لكن الفنان يلجأ للإفصاح عن ذلك كنوع من استعطاف الجمهور كى يحبه، كما أن الفنان بطبيعته يميل إلى المبالغة وجذب العاطفة، أما السياسى فلا يصرح بذلك إلا فى حدود ضيقة للغاية، خوفا على منصبه بعكس السياسيين فى الخارج، إذ يخجلون من التصريح بذهابهم إلى الطبيب النفسى. • ما تقييمك لشخصية أحمد زويل ومحمد البرادعى ومدى قدرتيهما على تبوء مناصب سياسية؟ - لا يستطيع العالم أن يتبوأ منصبا سياسيا، من النادر أن تجدى عالما له مركز سياسى، كما أنى نصحت الدكتور زويل بالابتعاد عن السياسة والمناصب، وقلت له إنك عشت طول عمرك عالما، والعلماء لا يعرفون المراوغة والكذب والسياسة جزء كبير منها يعتمد على المراوغة والكذب، شخصية زويل لا تصلح لأن يكون سياسيا وأعتقد أنه سمع بنصيحتى وابتعد عن السياسة بعد أن حاول الخوض فى التجربة السياسية، أما تحليلى للدكتور البرادعى فإنه لا يحب المواجهة والإصرار عليها وكلما اقترب من شىء يبتعد عنه «على طول»، ولا يريد أن يكمل. • ما رأيك فى خطاب جماعة الإخوان، خاصة فيما يتعلق بتطبيق الشريعة؟ - الأغلبية تريد أن تطبق الشريعة الإسلامية ومن المفروض أن يتبع الباقون رأى الأغلبية كما يدعى عصام العريان، واستغربت من خطاب تيار جماعة الإخوان المسلمين لأن لديهم نوعا من الوهم والضلال والخداع، فهم ليسوا الأغلبية، من خطاب مرسى الأول وهو يفتح صدره فى ميدان التحرير، ويقول إنه لا يرتدى أى قميص واق، وفى صلاة العيد يقال إن نصف المسجد كان من حراسه، كلها تؤكد أن السلطة بدأت تتوغل فى نفسية الرجل، أردوغان قال إنه ظل 24 سنة لكى يخلص تركيا من المؤسسة العسكرية، ومرسى استطاع أن يفعل ذلك فى أيام، وهذا يحسب له، كما أنه ليس سياسيا هو ينتمى لجماعة الإخوان، أى ملتحق بجمعية لا تفكر إلا فى الدعوة، لكنه بخطبته الأولى وكل خطبه فى المساجد بعدها لم يحقق أى شىء حتى الآن، وبالرغم أن الرئيس يذكر كل الائتلافات فى خطاباته فإنه فى وقت التنفيذ لا يفعل شيئا سوى ما يقتنع به، فمشروع النهضة الذى يتحدثون عنه خال من الفن والإعلام، ما سيؤثر بالسلب على شخصية وأخلاق المجتمع المصرى خلال الفترة القادمة لأن أى نهضة حقيقية تبنى على أساس متكامل يشمل الفن وحريات الرأى والإعلام.