شيخ الأزهر الغاضب (٢)

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

تحدثنا فى المقال الماضى عن الدور الذى لعبه شيخ الأزهر د. عبدالحليم محمود فى أسلمة المجال العام فى مصر خلال السبعينات متضامناً مع جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الجماعات الدينية فى ذلك الوقت، ورغم طبيعة دوره كرأس للمؤسسة الدينية الرسمية فإن علاقته بالرئيس السادات اتسمت بالشد والجذب، وكانت أشهر محطات الخلاف بينهما عام ١٩٧٤، حين أصدر الرئيس السادات قراراً يقلص بعض صلاحيات شيخ الأزهر ويمنح صلاحيات أوسع لوزير الأوقاف فى إدارة الأزهر، وهو ما أدى لتقديم شيخ الأزهر لاستقالته، وامتناعه عن قبض راتبه، واعتكافه فى منزله.. وأحدثت الاستقالة دوياً إعلامياً، وقام أحد المحامين من المتعاطفين مع جماعة الإخوان دعوى حسبة ضد رئيس الجمهورية، وهى الأزمة التى أنهاها الرئيس السادات بدعوة على الغداء لشيخ الأزهر، وإصدار قرار آخر بتوسيع صلاحيات شيخ الأزهر، مع وعد بالإسراع فى تقنين الشريعة الإسلامية ومخاطبة رئيس مجلس الشعب فى هذا الخصوص.

وكانت ثانى أكبر الأزمات التى أثارها شيخ الأزهر هى هجومه على المحكمة التى تولت محاكمة تنظيم التكفير والهجرة، حيث طلبت المحكمة رأى الأزهر فى القضية، ولم تعجبها الآراء التى قدمها بعض العلماء فلم تلتفت إليها، وطلبت رأياً آخر فلم يصلها، فما كان منها إلا أن ضمنت حكمها لوماً للأزهر الذى تقاعس علماؤه عن إبداء رأى الشريعة، وهو ما لم يعجب شيخ الأزهر عبدالحليم محمود الذى أصدر بياناً يهاجم فيه المحكمة، ويتهمها بأنها لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على الظروف التى أدت لاعتناق المتهمين لهذا الفكر!

كان د. عبدالحليم محمود هو شيخ الأزهر الوحيد حتى وقتها الذى زار الولايات المتحدة الأمريكية وقابل الرئيس الأمريكى جيمى كارتر وناقش معه طرق التصدى للشيوعية فى الشرق الأوسط.

وبشكل أو بآخر كان د. عبدالحليم محمود يعتبر نفسه فى مهمة مقدسة هى القضاء على الأفكار اليسارية فى مصر، وهو ما دفعه إلى التصريح بأن كل يسارى هو كافر بالضرورة، وهو ما استدعى رداً من الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى، رئيس مجلس إدارة روزاليوسف، الذى قال إنه يسارى مؤمن بالله وله مؤلفات عن حياة الرسول وكبار الصحابة والفقهاء.

كان من المعارك التى خاضها شيخ الأزهر وقتها أيضاً معركته ضد حقوق المرأة حيث اقترحت د. عائشة راتب، وزيرة الشئون الاجتماعية، قانوناً جديداً للأحوال الشخصية، احتوى على مواد وصفت بأنها منصفة للمرأة، ما دفع شيخ الأزهر لإصدار بيان يهاجم فيه القانون قبل صدوره، فأصدرت الحكومة أوامرها للصحف بالامتناع عن نشره، وعقد اجتماع تناقش فيه اعتراضات الشيخ على القانون وانتهى الأمر بسحب الحكومة للقانون.

أما معركته الكبرى فكانت تطبيق الحدود الإسلامية وقطع يد السارق، وغير ذلك من المطالبات التى تخلت جماعات الإسلام السياسى نفسها عن طرحها فيما بعد.. كان شيخ الأزهر من علامات الاستخدام السياسى للدين فى السبعينات، وكان من علامات تحول المجتمع المصرى نحو مزيد من الأسلمة والسلفية.. رحمه الله بما له وما عليه.