"ردعهم رحمة للبشرية".. كلمة قاضي محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية

كتب: هيثم البرعي

"ردعهم رحمة للبشرية".. كلمة قاضي محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية

"ردعهم رحمة للبشرية".. كلمة قاضي محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية

تنشر "الوطن" نص كلمة القاضي، عقب النطق بالحكم على المتهمين في قضية محاولة اغتيال مدير أمن الإسكندرية الأسبق، بإعدام 3 من المتهمين، والسجن المؤبد لـ8 آخرين.

بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" صدق الله العظيم.

يروع الجميع بعمليات تفجيرية إجرامية، تخلف من ورائها مقتل أبرياء، يرتكبها نفر، يحملون نفسيات غير متزنة، موازنيهم مختلة، روايتهم كاذبة، وحججهم فارغة، يرون الإفساد إصلاحا، والإصلاح إرهابا، يتأرجحون مع أهوائهم، يميلون حيث تميل الريح، المصلحة هي الحاكم لسلوكهم، يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح مجتمعهم.

من يدعون للاقتتال باسم الدين غارقون في الأمية الدينية، يريدون القتل خلسة وغدرا، يعيسون في الأرض فسادا، وترويعا للآمنين، بسبب تطلعهم إلى السلطة بالقوة، عن طريق استقطاب شباب، والتلاعب بعقولهم وشحنهم نفسيا وعاطفيا بأفكار مغلوطة ومضللة لفهم الآيات القرآنية، وغرس الجهاد في نفوسهم بمفهوم خاطئ، وأن الحكام وأعوانهم طواغيت وعدو صائل ينبغي مقاومته وقتله، مما حولهم إلى متطرفين، بسبب ما وصل إليهم بالجهل المعرفي والسطحي بحقيقة الإسلام.

لقد شرعت القوانين وسنة الأحكام من أجل حفظ الحقوق وصيانة الدماء والأعراض والأموال، ونهت عن التعدي والظلم والبغي من الإنسان على أخيه الإنسان، وجاءت الشريعة الإسلامية بأحكامها، لتنشر الأمن والأمان بين الناس، فحذرت حتى من مجرد ترويع المسلم وتخويفه، إذ يحذر رسول الله من أن يشير إلى أخيه بالسلاح، حتى لا يكون ذلك سببا في ترويعه وتخويفه، وإقلاق سكينته، أو سببا لسفك دمه، وتعريضه للخطر، فيقول صلوات الله وسلامه عليه: "من أشار على أخيه بالسلاح لعنته الملائكة حتى ينتهي، وإن كان من أبيه وأمه".

فإذا كان التحذير والوعيد من مجرد ترويع المسلم وتخويفه، فكيف من يستحل دم المسلم ويكون سببا في ترويع الناس ونشر الخوف في المجتمع بأفعاله، ولقد بلغ من تحريم الإسلام لهذه الجريمة النكراء، أن الله تعالي جعل قتل نفسا واحدة تعادل جريمة قتل الناس جميعا، وذلك لأن حق الحياة ثابت لكل نفس، فقتل واحدة من هذه النفوس يعتبر تعديا على الحياة البشرية كلها، فقال عز وجل "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

كم من دماء سفكت، وكم من أم فجعت في أولادها، وكم من أب عاش حياة الخوف على أبنائه، وكم من زوجة سلبت الأمن والراحة خوفا علي زوجها، وكم من إنسان روع وخوف في أهله، وكم من يتيم فقد من يعوله، وكم من مجتمع روع بسبب تفجير هنا أو حرب هناك أو قطع طريق أو سلب أو نهب أو تعد على الحقوق، أو اختطاف في هذا المكان أو ذلك، والله أسأل أن يعيذنا من الفتن وما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي من ضل من عباده إلى الهدى.

فقد انضم المتهمون إلى جماعة إرهابية تدعو إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة بأعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وهي جماعة الإخوان الإرهابية وحركة حسم المسلحة التابعة لها، والتي توقن أن الحكام وأعوانهم طواغيت، وعدوا صائل ينبغي مقاومته وقتله، وأنه ينبغي تغير نظام الحكم بالقوة من خلال الاعتداء على المؤسسات العامة والأفراد ومنشآت القوات المسلحة والشرطة والقضاء، وكان الإرهاب من الوسائل التي تستخدمها هذه الجماعة في تحقيق أغراضها مع علمهم بها، وبوسائلها في تحقيق تلك الأغراض، وأفتوا بأنه لو نالت العملية مدنين حال مرورهم فهم غير مقصودين، ويبعثون على نيتهم.

وقد أدى كل منهم الدور المطلوب منه في هذه الجماعة الإرهابية فمنهم من أمدها بمفرقعات ومركبات ومعلومات، بقصد استخدامها في جرائم إرهابية، ومنهم من قام برصد المؤسسات العسكرية، التابعة للشرطة والقوات المسلحة، ورصد بعض القادة العسكريين منهم قائد القوات البحرية ومقر إقامته والحراسة المرافقة له تنفيذا لاغتياله، ورصد مبنى الكلية الحربية بأبو قير، وقاعدة عسكرية بمنطقة طوسون ومعهد الدفاع الجوي، ونقطة شرطة عسكرية بالمعمورة ومعسكر الأمن المركزي بسيدي بشر، والمنطقة العسكرية الشمالية، ومكتب المخابرات، وقاعدة رأس التين العسكرية، ومديرية الأمن والأمن الوطني بمنطقة سموحة تمهيدا لاستهدافها، وعقدوا العزم وبيتوا النية على قتل مدير أمن الإسكندرية، وأفراد حراسته، وأعدوا لهذا الغرض سيارة ووضعوا بها عبوة مفرقعة تنفيذا لمخططهم الإرهابي.

إنه حادث منكر قام به بعض الجهلة واعتدوا على رجال الأمن وقتلوا اثنين منهم وأصابوا العديد من المواطنين المسالمين غدرا وظلما، ولا شك في أن هذا الاعتداء منكر ومحرم بأدلة شرعية، قتلوهم بنفس وحوش الغابات الكاسرة، رجال الأمن الذين يبذلون الغالي والنفيس في حفظ الأرواح والأموال ويسعون جاهدين لمكافحة الجريمة واسترداد الأمن، أهكذا يعاملون وهكذا يشكرون، بأي ذنب يقتل هؤلاء الأبرياء، من أي نبت أنتم أيها القتلة، ومن أي صلب أتيتم، ومن أي تراب أنتم، قاتلكم الله أيها المجرمون، فنعم حياة بردع هؤلاء الذين يفكرون مجرد تفكير في الاعتداء على النفس، حياة يؤمن فيها كل فرد على نفسه، بأنه يعلم يقينا بأن هناك قصاصا عادلا، ينتظر كل من يتعدى حدود الله، إلا وأن من الرحمة بالبشرية ردع هؤلاء وكفهم، وأن الشدة عليهم هي الرحمة التي جاء الإسلام لنشرها ووقف الطغاة في وجهها.

إن المجني عليهما ذهبا إلى ربهما وهما يشكوان غدر الغادرين وخيانة الخائنين، فأما أولئك النفر الذين كانوا وراء تلك الأعمال البشعة الغادرة، فحقيق بنا أن نعلنها صريحة مدوية في وجه كل واحد منهم بلا تلجلج ولا مهاربة، إنكم يا غدار أبعد ما تكونون عن تعاليم الإسلام وإن تمسحتم بها زورا وبهتانا، وإنكم لواقفين في يوم عظيم، مفزع مهيب أمام محكمة العدل الآلهية الحاكم فيها رب العالمين.


مواضيع متعلقة