متى ينتهى فيروس كورونا؟
دار بذهنى هذا السؤال وأنا أدارى قلقى وخوفى، فكل الأجوبة والطمأنة التى تقال ويتناولها الناس والإعلام والمتخصصون لم تفلح فى بعث السكينة فى نفسى، ولم تعط الجواب الشافى لتوجس نفسى خيفة.
وحينذاك هرعت إلى القرآن الكريم أتفقّد فيه قصص الابتلاء لأستلهم منها معالم الطمأنينة والسكينة لأطفئ بها جذوة القلق فى نفسى.
فمرت بى قصة سيدنا يونس عليه السلام، وقد كان الكرب فيها مختلفاً غير معتاد، ويشترك فى معالم غرابته مع هذه الجائحة التى تجتاح العالم بأسره؛ فقال الله تعالى «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ».
ففى قصة يونس كان البلاء فريداً، وكانت الحياة فى مكان تنعدم فيه كل الأسباب المادية للحياة والنجاة، فكانت حياة وسط الموت فى بطن الحوت، فى جوف البحر، وظلمة الليل.
أما النجاة فقد حصلت بسبب عظيم الأثر فى ميزان الله، بسبب وضعه الله -الذى قدّر البلاء وقَدره على عباده- فسبّح يونس وتضرع فكانت النجاة.
وكان العطاء أوسع كعادة الجواد الكريم واسع الكرم سبحانه وتعالى عما يصفون.. فقد وهبه مع نجاته البشرى بإيمان قومه؛ فقوم يونس لما لم يؤمنوا جميعهم كاد البلاء يقع عليهم، فلما رأوه واقعاً قادماً عليهم دفعوه بالإيمان والرجوع إلى الله، فرفع الله عنهم البلاء «فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ»، «فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ».
ودهشت حين أجابت الآيات عن سؤال لم أطرحه!! فماذا لو لم يسبّح؟ كيف كان سينتهى هذا الابتلاء؟ جاء الجواب مخيفاً: «فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ».
الشاهد من القصة أن الله ينجينا من كل كرب ويرفع عن عباده البلاء والابتلاء حين نفزع إليه، ونزيل من قلوبنا كل ركون إلى من سواه، وكل أمل متعلق بالأسباب وحدها غير متعلق بخالق الأسباب.
إذ يطول البلاء حين يشعر الناس بأن الأسباب المادية هى التى تخلصهم منه فقط ولا يشعرون بأن النجاة منه تكون بضرورة الركون إلى الله، فيغفلون أو يتغافلون أو يتكبرون بأسباب يستعينون بها، وينسون أنهم لم يخلقوها، بل خلقها الله لهم، والله قادر على تسخيرها لهم ومنعها عنهم.
لكن ليس معنى هذا أن هناك تعارضاً بين الأخذ بأسباب الوقاية المادية التى سخرها الله لنا، والتسبيح والرجوع إلى الله، بل يجب الأخذ بهما معاً حتى تنقاد الأسباب وتُسخَّر لنا بأمره تعالى، فهو خالق الأسباب ومسخّرها، وكل ما فى الكون مسخّر للبشر بإرادته وحده تبارك وتعالى.
فهلَّا نأوى إلى ركن الله ونستعين به ونأخذ بالأسباب متوكلين عليه وحده دون سواه ونلجأ إليه بالدعاء فلا ملجأ منه إلا إليه، ونتوب إليه ونستغفره، حتى يخلصنا من هذا الوباء، قال تعالى «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَاؤُكُمْ» (الفرقان آية 77)، وقال تعالى «وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» (غافر آية 60).
إن قصة سيدنا يونس عليه السلام تقدم أسباب النجاة لكل غم ومصيبة، فكل مؤمن سينجو من الغم والكرب والابتلاء إذا التزم التسبيح والاستغفار والتضرع للواحد الديان ليجعل من بعد عسر يسراً ونجاة بكرمه وفضله، هكذا جاء وعد الله فى محكم آياته «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ».
لكن ليس معنى هذا أن هناك تعارضاً بين الأخذ بأسباب الوقاية المادية التى سخرها الله لنا، والتسبيح والرجوع إلى الله، بل يجب الأخذ بهما معاً حتى تنقاد الأسباب وتُسخَّر لنا بأمره تعالى، فهو خالق الأسباب ومسخّرها، وكل ما فى الكون مسخّر للبشر بإرادته وحده تبارك وتعالى.