شيخ الأزهر الغاضب

وائل لطفى

وائل لطفى

كاتب صحفي

لا يمكن فك شفرة التحولات التى مر بها المجتمع المصرى دون دراسة فترة السبعينات، والسياسات الدينية فيها، والجهود التى بذلت سواء من دول أو من جماعات لتبديل نمط حياة المصريين، وطرح شعار الإسلام هو الحل، والتمكين لجماعات الإسلام السياسى والجهادى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهى البذور التى تم غرسها فى المجتمع المصرى طوال عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات وما تلاها، وأثمرت ثمرتها فى ٢٠١٢ حين تمكن عضو فى جماعة الإخوان المسلمين من أن يصعد إلى سدة الرئاسة فى مصر، ولعله من اللافت لمن يدرس هذه الفترة أن يكتشف أن شيخ الأزهر المحبوب الشيخ عبدالحليم محمود، الذى تولى مشيخة الأزهر فى الفترة من ١٩٧٣ وحتى ١٩٧٨ كان واحداً من الذين بذلوا جهوداً كبيرة فى هذا الاتجاه بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، التى كان الرئيس السادات قد أعادها إلى ساحة العمل العام مرة أخرى.

وفى كتابه (خريف الغضب) يتحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل عن انخراط الشيخ عبدالحليم محمود فيما عرف وقتها بالمعركة ضد الشيوعية بدعم من إحدى الدول العربية، التى قدمت دعماً مالياً مباشراً للأزهر، وهو ما اضطر رئيس الوزراء ممدوح سالم لطلب دمج هذه المعونة التى قدمت بالعملة الصعبة ضمن الموازنة العامة للدولة، فى مقابل أن تلتزم الحكومة بتلبية احتياجات الأزهر بالعملة المحلية. وإلى جانب قضية مكافحة الشيوعية التى كانت على رأس أجندة السياسة الإقليمية فى المنطقة، فقد تبنى شيخ الأزهر قضية تطبيق الشريعة الإسلامية أو الحدود الإسلامية، وكان يرى أن قطع يد السارق هو الذى سيوقف السرقة فى مصر، وكان ينشر مقالاته المطالبة بتطبيق الحدود فى مجلة الدعوة، التى كانت لسان حال جماعة الإخوان المسلمين فى تلك الفترة، بل إنه شكل لجاناً فى الأزهر عرفت بلجان تقنين الشريعة متضامناً مع الإخوان المسلمين فى حملتهم التى أطلقوها وقتها، بينما قال الإخوان إنهم يعتبرون أن شيخ الأزهر واحد منهم. وقد أثار رحمه الله معركة فكرية كبيرة بعد أقل من سنة حين قال إن الملائكة شاركت الجنود فى عبورهم وقتالهم يوم العاشر من رمضان، وهو ما استدعى أن يرد عليه د. زكى نجيب محمود بمقال ينسب فيه النصر للجنود الذين قاتلوا وتدربوا. وبرغم الخلفية الصوفية للشيخ عبدالحليم محمود فإن هذا لم يمنعه من أن يبدى إعجاباً كبيراً بالسلفية العلمية التى كانت وافداً كبيراً لمصر وقتها، وأن يتحدث عن منهج جديد يتبناه يمزج فيه السلفية بالصوفية. وبحسب شهادة نجله د. منيع عبدالحليم محمود للكاتبة سناء البيسى، التى نشرتها صحيفة الأهرام، فقد عزم د. عبدالحليم محمود وهو ما زال شيخاً للأزهر على تأسيس حزب دينى يرفع راية تطبيق الشريعة الإسلامية، وأنه بدأ بالفعل فى عقد اجتماعات تمهيدية لتأسيس الحزب.. وأن الآخر قد وصل للرئيس السادات الذى أعلن رفضه للفكرة حين قال فى خطاب تال لهذه المحاولة (لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة)، وبحسب شهادة نجل الشيخ المنشورة فقد كان الرئيس السادات يقصد والده حين أطلق هذه الصيحة التحذيرية. وهو ما دفع شيخ الأزهر إلى التراجع عن فكرة تأسيس الحزب الدينى واستبدالها بتأسيس المعاهد الأزهرية التى رأى أنها ستعطى نفس النتيجة، وقد بلغ عدد المعاهد الأزهرية التى بناها الشيخ سبعة آلاف معهد أزهرى، بنيت فى خمس سنوات فقط، وكان تمويلها قائماً على تبرعات عربية وخليجية فى المقام الأول.. ولم يأت عام ١٩٧٧ إلا وشهدت مصر صداماً جديداً بين الشيخ والمحكمة التى حاكمت المتهمين باغتيال الشيخ الذهبى فى القضية التى عرفت باسم التكفير والهجرة، حيث اتهمت المحكمة الأزهر بالتقاعس عن إبداء الرأى الشرعى فى أفكار تنظيم التكفير والهجرة، ورد شيخ الأزهر بهجوم مماثل.