الإقلاع عن جوميا ويونيون إير والتدخين

من أشد الأمور بعداً عن الحكمة أن تحب جلب الشر على نفسك، أو تستمتع بما هو ضار بصحتك أو صحة من تحب.

أكثر من ثلاثين سنة وأنا أستمتع بالتدخين، وأشعر بنشوة غير عادية بعد التدخين فى أجواء معينة.

هذا العام انتابنى شعور بأن الصحة لن تتحمل هذا السفه والاستخفاف، وحتى لا أضع نفسى فى مواجهة نتيجتها محسومة مع نفسى الأمارة بالسوء، قررت أن أنظم عملية التدخين.

أول خطوة كانت الالتزام بسيجارة واحدة كل ساعة، ورفع شعار «اللى يفوت يموت» بمعنى أن السيجارة التى يفوت ميعادها تظل فى علبتها حتى الميعاد الثانى، ما خفض عدد السجائر لأقل من 16 فى اليوم، وهو أمر لو تعلمون عظيم، مع شخص يدخن 30 سيجارة يومياً.

قدم رمضان، كما كل عام، ثقيلاً غير مرغوب فيه، لا أطيقه ولا يطيقنى، لكن ذهابه هذه المرة لم يكن كسابقه أبداً، بدا فى نهايته ينساب كالماء من بين أصابعك، كأنه فى سنين العمر كله كوم، ووجع ذهابه هذا العام كوم آخر.

نعم، التدخين كان السبب المباشر لكراهية مجيئه، والاعتدال فى التدخين والنزول بمعدله خلال شهر رمضان جعله ضيفاً خفيفاً، حتى إن الأسبوع الأخير منه -وقد هبط معدل التدخين إلى سيجارتين فى اليوم- طار كأنه ساعة من ليل.

فى بداية الشهر كان معدل التدخين ثمانى سجائر فى اليوم، ثم أصبح ستاً، فأربعاً حتى وصل لاثنتين فواحدة، لكن أهم خطوة كانت التوقف عن تدخين أول سيجارة بعيد أذان المغرب، وآخر سيجارة قبيل أذان الفجر.

ولما انتابنى شعور بالصحة، لم أعتده منذ سنوات، ممزوج بطمأنينة قراءة القرآن، قررت أن أسرع بالوصول للمستوى الثانى فى عملية «تنظيم التدخين» وهو عدم تدخين سيجارة كاملة.

كنت أنتظر مجىء الساعة الثامنة مساء كل يوم، موعد أول سيجارة بعد الإفطار، كانت لحظة لقاء الأحبة، وعناق العشاق، لكنى قررت ألا يدوم هذا الشعور كثيراً، فأخذت نَفسين فقط من السيجارة ثم أطفأتها، ثم وصلت لنفس واحد، كل نصف ساعة فساعة فساعتين فثلاث.

كانت سيجارة ما بعد السحور من أشد العادات قدسية، لكن هذا العام تحولت العادة المقدسة لقراءة القرآن بعد السحور، ومناجاة خالق الخلق الذى كان الخير السند والصاحب فى الضيق وكتم الغضب، فتراجع التفكير فى التدخين شيئاً فشيئاً.

ذهب رمضان، واستقبلت العيد بتدخين سيجارة واحدة على يومين، فكان القرار سهلاً وبسيطاً بالإقلاع نهائياً، فكانت الساعة العاشرة وست دقائق مساء ثانى أيام عيد الفطر آخر عهدى بالتدخين، فكان الفراق بينى وبينه.

وحتى لا أكون مثالياً بزيادة، فقد انتابنى شعور جارف بالعودة للتدخين فى واقعتين امتلأ قلبى فيهما بالغضب الشديد، لاستهتار ورعونة شركتين كنت أعتقد أنهما فوق مستوى الشبهات، فإذا بهما الشبهة ذاتها.

الأولى مع يونيون جروب، فقد تعطل سخان الغاز من منتصف أبريل، وحتى كتابة هذه المقالة لم يتفضل مركز الخدمة بالإنعام علىّ وإصلاحه، وكدت أفقد أعصابى وأنا أهاتف موظفة الخدمة التى لا تملك من أمرها شيئاً سوى النطق بكلمات جوفاء لا تسمن ولا تغنى ولا تصلح سخاناً، فقررت شطب اسم يونيون إير من قائمة الشركات المحترمة.

الثانية كانت مع شركة جوميا، إحدى شركات الوهم الطائر، لن تملك معها حقاً ولا باطلاً، بعد أن اشتريت منها شاشة ماركة إيه تى إيه، ثم اكتشفت بعد أيام كيف أن المنتج ردىء، وفاسد، لكن فى نظر جوميا هو رائع وسليم طالما حصلت على الثمن، فليذهب العميل إلى الجحيم.

لكن فى الحالتين أكرمنى الله بالثبات، واستعوضت صحتى وعافيتى بسخان وشاشة تليفزيون، بعد أن أكرمنى بالإقلاع عن التدخين. أتمنى من الله أن يكرم الجميع بالإقلاع عن جوميا ويونيون إير والتدخين.