مكفوفون في مواجهة فيروس كورونا: "تخلى الجميع عن مساعدتنا"

كتب: رؤى ممدوح

مكفوفون في مواجهة فيروس كورونا: "تخلى الجميع عن مساعدتنا"

مكفوفون في مواجهة فيروس كورونا: "تخلى الجميع عن مساعدتنا"

معاناة كبيرة يعيشها رامي مصطفى صاحب الـ38 عاما بسبب أزمة فيروس كورونا وضرورة التباعد الاجتماعي، فعلى مدار سنوات طويلة كان "رامي" الذي فقد بصره منذ نعومة أظافره لا يستطيع الاعتماد على نفسه بشكل كامل في ممارسة نشاطات حياته اليومية، فمغادرة المنزل بمنطقة العباسية والنزول إلى الشارع للتوجه إلى جامعة حلوان حيث يعمل الرجل الثلاثيني مدرسا بكلية التربية الموسيقية لم يكن أمرا سهلا، فـ "رامي" شأنه كغيره ممن لهم المعاناة ذاتها يعتمدون بشكل أساسي على المارة في الشارع لعبور الطريق أو ركوب المواصلات العامة أو صعود السلالم، ولكن مع تفشي الوباء وإصابته لعدد كبير من المواطنين أصبح هاجس الخوف متملكا الجميع.

لم يعد هناك تلامس لتجنب الإصابة بالعدوى التي تنتقل بكل سهولة بين الأفراد: "بصفتي كفيف فموضوع الكورونا ده مخليني مكتئب جدا وحالتي النفسية سيئة لأننا أكتر ناس متأثرين بيه، و لما بطلب مساعدة من حد في الشارع بيرفض عشان خايف من التلامس ومحدش بييجي معايا في أي مكان عشان مبيخرجش، حتى السلام اللي بيخلينا نعرف الناس مبقاش موجود خلاص"، حياة "رامي" التي تعتمد على اللمس وتحسس الأشياء للتعرف عليها أصبحت أكبر سبب لإصابته بالفيروس: "إحنا أكتر ناس معرضة للمخاطر عشان اللمس هو طريقتي الوحيدة للتعرف على العالم سواء قراءة أو كتابة أو تليفون ومش هينفع ألبس جوانتي وألمس حاجة"، يقولها مدرس التربية الموسيقية بنبرة حزينة.

لايرى "رامي" أن العصا المعدنية المميزة التي يستخدمها المكفوفون يمكنها أن تساعدهم أثناء تواجدهم في الشارع وبالتالي الاستغناء عن مساعدة الآخرين: "المفروض إن العصاية دي أقدر أعدي بيها الشارع ولما أرفعها لفوق العربيات تقف بس اللي بيحصل إن الناس هنا ممكن يدوسوا الشخص المبصر وهو بيعدي الطريق يبقى مش هياخدوا بالهم من العصاية، ده غير إن كتير معندهومش وعي بمشكلتنا".

دقائق انتظار طويلة قد تتعدى النصف ساعة يقضيها "رامي" يوميا فوق أحد الأرصفة تحت أشعة الشمس الحارقة في انتظار شخص يساعده، وما يلبث أن يقترب أحدهم ويعلم السبب حتى يغادر المكان فورا بعد تقديم الاعتذار: "ناس كتير بتييجي تسألني وأنا واقف محتاج إيه ولما أقولهم عايزك تعديني الشارع بيقولي لأ مش هقدر عشان كورونا مع إن كلنا بنلمس حاجات كتير طول فترة وجودنا خارج البيت وممكن يساعدني وبعدها يطهر إيده بالكحول".

الوضع المأساوي ذاته يعيشه المئات من المكفوفين، حسام حسن واحد من هذه الفئة حيث اضطر الشاب الذي بدأ قبل أيام قليلة عقده الثالث إلى التقديم على إجازة بالخصم من مرتبه بعد الصعوبات البالغة التي واجهته للوصول إلى عمله بإحدى شركات القطاع الخاص بمنطقة وسط القاهرة: "كل يوم وأنا نازل الصبح بيكون كل همي إني آلاقي حد يعديني الشارع أو يساعدني وأنا نازل عل السلم، وفي بداية الأزمة كانت ممكن الناس تساعدني وأوقات كانوا بيمسكوني من كمي عشان ميضطروش يلمسوا إيدي، لكن دلوقتي ورغم إني بقيت بلبس جوانتي في الشارع مع إنه مش مناسب ليا كشخص كفيف بس عملت كده عشان الناس متخافش مني وبرضو مبلاقيش حد عنه استعداد يساعدني"، يقول الشاب العشريني أنّه أصبح مجبراً على البقاء في المنزل دون عمل أو دخل لفترة لا يعلم مداها بعد أن كان على وشك التعرض لحادث دهس أثناء قيامه بعبور شارع الهرم بمفرده بعدما يأس الانتظار: "قعدت ساعة ونص مستني مساعدة وبعدها قررت أعدي الطريق وأتوبيس نقل عام كان هيدوسني لولا إنه فرمل في آخر ثواني وربنا ستر".