وزير الأوقاف: مصر على مر التاريخ كريمة لضيوفها رحيمة بأبنائها
وزير الأوقاف
أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن القرآن الكريم اشتمل على آداب جليلة، وقيم خالدة رشيدة، لا سيما سورة سيدنا يوسف (عليه السلام) فبعد أن ثبتت براءته من خلال شهادة شاهد من أهل امرأة العزيز لسيدنا يوسف (عليه السلام)، حيث يقول تعالى: "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم "، ومن خلال ما أقرت به امرأة العزيز من مراودتها له (عليه السلام).
حيث يقول سبحانه: "وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين، فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم، قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم.
وهذا دليل البراءة الثاني، حيث إنه بعد أن شهد شاهد من أهلها لسيدنا يوسف (عليه السلام)، أظهرت امرأة العزيز ما كان من أمره (عليه السلام)، حيث قالت : "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم".
شدد الوزير خلال برنامج: ”في رحاب القرآن الكريم"، علي دقة المفردة القرآنية حيث قالت امرأة العزيز : "فاستعصم " ولم تقل : فرفض أو فأبى، لتظهر أنه استمسك بحبل الله تعالى، ووقف كالجبل الأشم معتصما به سبحانه، وحيث قالت: "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين"، ففي كلمة السجن قالت: " ليسجنن"، بنون التوكيد الثقيلة المشددة، بينما قالت: "وليكونا من الصاغرين"، بدون نون التوكيد الثقيلة، والفارق بينهما: أنها تملك أن تدخله السجن لكونها زوجة عزيز مصر، وهذا ما كان، لكنها لا تملك أن تجعله صاغرا؛ لأن العزة لله سبحانه ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين.
وهنا قال سيدنا يوسف (عليه السلام): "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن"، إن تركتني إلى نفسي فأنا ضعيف، "أصب إليهن وأكن من الجاهلين، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم"، ثم دخل سيدنا يوسف (عليه السلام) السجن وكان ما كان بينه وبين صاحبيه في السجن.كما أظهر معاليه أن مصر طيلة أمرها بلد معطاء، بلد كريم، تفتح أبوابها للدنيا وما فيها، يقول أحد الكتاب: "لقد مرت على مصر أزمنة كثيرة لم يكن بينها جائع من أهلها، ولا من بين المقيمين فيها، ولا المارين بها، ولا الوافدين إليها، لكثرة خيرها، وكثرة أوقافها.
وجاء إخوة يوسف (عليه السلام) إلى أرض مصر لطلب الميرة أو المعونة، يقول تعالى: "وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون"، ولكن لماذا هو عرفهم وهم لم يعرفوه؟ ؛ لأنهم ظنوا أنهم حينما ألقوه في الجب قد تخلصوا منه، لكنه (عليه السلام) لم ينس أباه ولا إخوته، كما أن المظلوم لا يمكن أبدا أن ينسى ظلم الظالم، بل تبقى صورة الظالم محفورة في ذاكرته، مرسومة أمام عينيه، لهذا يحكى أن: كسرى جاء بمعلم لابنه، فضرب المعلم الولد ولطمه لطمة شديدة بدون ذنب أو خطأ، وعندما تولى هذا الصبي الحكم جاء بمعلمه، وسأله: ما الذي حملك على أن تضربني يوم كذا؟ فقال المعلم: ولم هذه المرة التي لم تنسها أبدا؟ فقال: لأنك ضربتني بدون سبب أو خطأ، فقال المعلم: أردت أن أذيقك طعم الظلم حتى لا تظلم: لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا.
فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عينك والمظلوم منتبهيدعو عليك وعين الله لم تنم ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) حينما بعث سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) إلى اليمن : "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "دعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"، ويقول سبحانه: "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء، وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال، وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال، وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال".
كما أبرز أنه من الآداب الجميلة التي اشتملت عليها قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) مقابلة السيئة بالحسنة، والعفو والصفح، والتسامح، ذلك أن سيدنا يوسف وسيدنا يعقوب (عليهما السلام) قابلا السيئة بالحسنة، وبالعفو والصفح، يقول سبحانه: "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي"، ذلك أنه بلغ في ترتيب الأحداث والمواقف وسردها من سيدنا يوسف (عليه السلام) قمة متناهية من العفو والصفح، حيث يقول (عليه السلام): "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي".
فالترتيب الزمني للأحداث يقتضي أن يذكر إلقاءه في الجب أولا، ثم دخوله السجن ثانيا، لكنه بدأ بدخوله السجن ؛ لأنه لا يد لإخوته فيه، فلم يعنفهم، ولم يؤنبهم، وإنما ذكر ما لا يد لهم فيه تلطفا في عتابهم، ثم قال: "وجاء بكم من البدو"، فقد اعتبر (عليه السلام) مجيئهم من البدو نعمة أخرى من الله تعالى، كما أنه اعتبر ما حدث بينه وبين إخوته نزغا من الشيطان، ولم يقل: بيني وبينكم وإنما بيني وبين إخوتي، أنزلهم منزلة الغائب وعبر بلفظ الأخوة، ليقول لهم: إننا جميعا إخوة على كل حال، حتى وإن حدث ما حدث فنحن إخوة، وإخوة اليوم ليس هم إخوة الأمس، فهي صفحة جديدة بيضاء في حياتنا ليس فيها شيء، إنها قمة الأدب النبوي، ومنتهى العفو والصفح، ومنتهى التسامح، إنه أدب الأنبياء، وأدب القرآن الكريم، "إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم".
فما أجمل أن نتحلى بآداب القرآن الكريم، وأن نتخلق بخلق الصفح، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "من اعتذر إليه أخوه المسلم من ذنب قد أتاه فلم يقبل منه لم يرد علي الحوض غدا"، ويقولون: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب ويقولون: ثلاثة تعجل لهم العقوبة في الدنيا: الغدر، واليمين الكاذبة، ورد المعتذر خائبا.